ثم إن لفظها يوحي بالسعة والشمول، ذلك أنها منتهية بحرف الإطلاق وهو الألف، وهو الذي يمتد فيه النَفَس بخلاف (من) الذي ينتهي بحرف مقيد، وهو النون الساكنة. فجعل المنتهي بحرف مطلق للمطلق الكثير، والمنتهي بحرف مقيد للقليل المقيد بالعقل.
فجاء بـ (ما) لتناسب العموم والشمول في الآية.
ثم إن هذه الآية مناسبة لجو السورة على وجه العموم، فهي مرتبطة بإطعام المحتاجين في اليوم ذي المسغبة، فإن الوالد يسعى إلى إطعام ولده ويلاقي من أجل ذلك ما يلاقي من مشقة ومكابدة. إن جو السورة تسيطر عليه المكابدةُ والمشقة والصبر والرحمة وكل ذلك يعانيه الوالد لحفظ ولده ورعايته.
ثم انظر من ناحية أخرى، كيف يحتمل قوله:{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} وما تحتمله كلمة {حِلٌّ} من السَّعةِ في احتمالات المعنى، وكيف ناسب ذلك سعة (ما) نُطقاً ومعنى.
{لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} .
الكبد: الشدة والمشقة. ومعنى {فِي كَبَدٍ} أنه "يكابد مشاقّ الدنيا والآخرة. ومشاقُّه لا تكاد تنحصر من أول قَطْعِ سُرَّته إلى أن يستقر قراره، إما في جنة، فتزول عنه المشقات، وإما في نار فتتضاعف مشقاته وشدائده".