للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن هذه الآية هي جواب القسم الذي تقدم، فقد أقسم بالبلد الحرام في وقت حلول الرسول الأعظم فيه، وأقسم بالوالد وما ولد على أن الإنسان خلق مغموراً في الشدائد والمشاقّ.

والسورة كلها مَبْنيةٌ على هذا الأمر، فهي مبنية على مكابدة الإنسان للشدائد والمصائب والمشاق. وكل لفظة وكل تعبير في هذه السورة مبني على ذلك ويخدم هذا الشيء.

أما ارتباط القسم بالجواب، فهو واضح فقد ذكرنا ارتباط قوله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بهاذا البلد * وَأَنتَ حِلٌّ بهاذا البلد} بهذه المكابدة وكيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يَلْقى ما يلقى من قومه من مشقة وشدة وهو يبلّغ دعوة ربه. وفي هذا إشارة إلى أن الدعاة ينبغي أن يوطنوا أنفسهم على المكابدة والصبر، وتحمل المشاق، فإن هذا من لوازم الدعوة إلى الله تعالى، فقلَّما يكون الداعية في عافية من ذاك. قال تعالى: {الاما * أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين} [العنكبوت: ١-٣] .

والفتنة مشقة كبيرة وشدة بالغة، نسأل الله العافية. وعلى الإنسان أن يكابد ويجاهد للنجاة منها. ثم انظر من ناحية أخرى كيف ارتبطت مفردات القسم بكل معانيها بقوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} .

فالحِلّ كما ذكرنا لها أكثرُ من معنى، وهي في كل معانيها مرتبطة بهذا الأمر. فهي إذا كانت بمعنى الحالِّ والمقيم فهي مرتبطة به، ذلك أن الرسول في أثناء حلوله بمكة كان يكابد ويتحمل من أصناف الأذى والمشاق الشيء العظيم فهو في كبد من ذلك، وكان يتلقَّى ذلك بصبرٍ وثبات وقوة وشدة، فهي مرتبطة بالكبد بمعنييه، المشقة والقوة.

وإذا كانت بمعنى اسم المفعول، أي: مستَحَلٌّ قتلُكَ وإيذاؤك لا تراعى حرمتك، فهي مرتبطة بذلك ارتباطاً واضحاً كله مشقة ونصب.

وإذا كانت بمعنى الحلال ضد الحرام، أي: يحلُّ لك أنْ تقتلَ من تشاء وتأسر من تشاء، وذلك في يوم الفتح فارتباطها بها كذلك واضح ذلك لأن الكفار آنذاك في كبد ومشقة وأنت والمسلمون في قوة وغلبة ونصر، فعند ذلك تكون مرتبطة بالكبد بمعنييها، المشقة والقوة.

<<  <   >  >>