واختيار لفظ (الاقتحام) وما فيه من شدة ومخاطرة هو المناسبُ لبيان وعورة وصعوبة هذه العقبة، فإنه لم يعبر عن ذلك بالاجتياز ونحوه، مما يدل على شدة هذه العقبة. فانظر كيف أن كل لفظة وقعت في مكانها المناسب وأن اختيار كل لفظة اختيار مناسب لجو السورة. فكل من الاقتحام والعقبة مناسب لقوله تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} . ذلك أن من معاني (الكبد) المشقة والقوة، وأن اقتحام العقبة في مشقة وتعب كما أنه يحتاج إلى قوة وشدة. فانظر حُسْنَ المناسبة. كما أن هذه الآية تناسب ما بعدها من المشقات والشدائد التي يعانيها المسكين واليتيم، في اليوم ذي المسغبة.
ثم انظر علاقة هذه الآية بأول السورة وخاتمتها، وهو كيف أن الرسول كان في حال اقتحام للعقبة، وهو حالٌّ ببلد الله الحرام، يَلْقى ما يلقى من العنت والمشقة في تبليغ دعوة ربه. وبخاتمتها وهم الذين لم يقتحموا العقبة، فبقوا في عقبة جهنم أبد الآبدين، وكانت النار عليهم مؤصدة.
ثم إن اختيار (لا) في هذا الموطن اختيار عجيب دقيق، وهو ما وقف عنده النحاة والمفسرون وحاولوا تخريجه وتفسيره.
فقد ذهب قسم منهم إلى أنها نافية للفعل الماضي، أي:(فلم يقتحم العقبة) . ومن المعلوم أن (لا) إذا نفت الفعل الماضي المعنى، وَجَبَ تكرارها، إلا ما ندر نحو قوله تعالى:{فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى}[القيامة:: ٣١] في حين لم تتكرر ههنا، وأجابوا عن ذلك بأنها مكررة في المعنى لأن (العقبة) مُفَسَّرةٌ بشيئين: فك الرقبة، وإطعام المسكين فكأنه قال: فلا فَكَّ رقبةً، ولا أطعمَ مسكيناً".