فالجواب عنه أن ذلك لمناسبة ما ذكر في أول السورة من خلق الإنسان في كبد، فلم يناسب ذلك ذكر النعيم وإنما الذي يناسبه ذكر الجحيم وما فيه من مشقة.
جاء في (روح المعاني) : "وصرح بوعيدهم ولم يصرح بوعد المؤمنين، لأنه الأنسب بما سِيقَ له الكلامُ والأوفقُ بالغرض والمرام".
ثم انظر بعد ذلك إلى هذه السورة المحكمة النسج، كيف وضعت تعبيراتها لتؤدي أكثر من معنى.
فـ {لاَ أُقْسِمُ} تحتمل النفي والإثبات.
و {حِلٌّ} تحتمل الحالّ والمستَحَلّ والحلال.
و {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} تحتمل العموم والخصوص من آدم وذريته أو إبراهيم وذريته أو الرسول وآبائه. وغير ذلك على وجه العموم.
و"الكبد" تحتمل المكابدة والمعاناة، وتحتمل القوة والشدة، وتحتمل استقامة الجسم واعتداله وغير ذلك.
و {أَيَحْسَبُ} تحتمل العموم والخصوص، فهي تحتمل كل إنسان، وتحتمل إنساناً معيناً تشير إليه الآية.
و {أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً} تحتمل أكثر من معنى، فهو قد يكون أنفقه في المفاخر والمكارم والمباهاة. وتحتمل الإنفاق في عداوة الرسول، وتحتمل غير ذلك. وتحتمل الكذب فلم ينفق شيئاً، وإنما هو ادعاء محض.
و"اللَّبد" تحتمل الجمع وتحتمل المفرد، فعلى الجمع تكون جمع (لُبدة) كنقطة ونقط، وخطوة وخطى. وعلى المفرد تكون صفة كَحُطَم ولُكَع.