للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وطلب من ربه أن ينجيه من بطش الظالمين: {قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين} .. فهرب إلى مدين وهناك اتصل برجل صالح فيها، وقَصَّ عليه القصص فطمأنه قائلاً: {لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين} .

وهذا الطابع - أعني طابع الخوف - يبقى ملازماً للقصة إلى أواخرها، بل حتى إنه لما كلفه ربه بالذهاب إلى فرعون راجعه وقال له: إنه خائف على نفسه من القتل: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} . وطلب أخاه ظهيراً له يُعِينُه ويصدّقه لأنه يخاف أن يكذّبوه: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} .

في حين ليس الأمر كذلك في قصة النمل، فإنها ليس فيها ذِكْرٌ للخوف إلا في مقام إلقاء العصا.

فاقتضى أن يكون التعبير مناسباً للمقام الذي ورد فيه. وإليك إيضاح ذلك:

١- قال تعالى في سورة النمل: {إني آنَسْتُ نَاراً} وقال في سورة القصص: {آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً} ، فزاد {مِن جَانِبِ الطور} وذلك لمقامِ التفصيلِ الذي بُنيت عليه القصة في سورة القصص.

٢- قال في سورة النمل: {إِذْ قَالَ موسى لأَهْلِهِ إني آنَسْتُ نَاراً} وقال في سورة القصص: {قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً} بزيادة {امكثوا} . وهذه الزيادة نظيرة ما ذكرناه آنفاً أعني مناسبة لمقامِ التفصيل الذي بنيت عليه القصة بخلاف القصة في النمل المبنية على الإيجاز.

٣- قال في النمل: {سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ} . وقال في القصص: {لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ} . فبنى الكلام في النمل على القطع {سَآتِيكُمْ} وفي القصص على الترجي {لعلي آتِيكُمْ} . وذلك أن مقام الخوف في

<<  <   >  >>