فأنتَ تشكر الشخص إذا أوصلَ إليك نعمةً، وأما الحمدُ فإنه لا يختص بذاك، فإنك تحمدهُ على إنعامه لك، أو لغيرك.
ومن جهة أخرى، إنَّ الشكرَ لا يكون إلا على النعمة، ولا يكون على صفاته الذاتية، فإنك لا تشكرُ الشخصَ على عِلْمِه، أو على قدرته وقد تحمده على ذاك. جاء في (لسان العرب) : "والحمد والشكر متقاربان والحمدُ أعمّهما، لأنك تحمد الإنسان على صفاته الذاتية، وعلى عطائه، ولا تشكره على صفاته".
فكان اختيار الحمد أولى أيضاً من الشكر، لأنه أعَمُّ، فإنك تُثني عليه بنعمه الواصلة إليك، وإلى الخلق أجمعين، وتثني عليه بصفاته الحسنى الذاتية، وإن لم يتعلق شيء منها بك. فكان اختيار (الحمد) أولى من المدح والشكر.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أنه قال:{الحمد للَّهِ} ، ولم يقل:(أحمدُ الله) ، أو:(نَحمدُ الله) ، وما قاله أولى من وجوه:
منها: أنَّ قولنا "أَحمدُ الله" أو "نحمد الله" مختصٌّ بفاعل معين. ففاعل "أحمد" هو المتكلم، وفاعل:(نحمد) هم المتكلمون، في حين أن عبارة:{الحمد للَّهِ} مطلقة لا تختصُّ بفاعلٍ معين وهذا أولى. فإنك إذا قلت:(أَحمدُ الله) أخبرت عن حمدك أنتَ وحدك، ولم تُفِدْ أن غيركَ حَمِدهُ، وإذا قلت: نحمد الله، أخبرت عن المتكلمين ولم تفد أن غيركم حمده، في حين أن عبارة {الحمد للَّهِ} لا تختص بفاعل معين فهو المحمودُ على وجه الإطلاقِ، منكَ ومِنْ غيركَ.