النفس مركبة؛ حتى يسافر عليه من عالم التراب إلى أعلى عليين.
فإذا أراد أن يؤدي حق هذه النعمة، جلس مثل السلطان في صدر مملكته، وجعل الحضرة الإلهية قبلته ومقصده، وجعل الآخرة وطنه وقراره، والنفس مركبه، والدنيا منزله، واليدين والقدمين خدامه، والعقل وزيره، والشهوة عامله، والغضب شحنته، والحواس جواسيسه. وكل واحد موكل بعالم من العوالم يجمع له أحوال العوالم. وقوة الخيال في مقدم الدماغ كالنقيب يجمع عنده أخبار الجواسيس، وقوة الحفظ في وسط الدماغ مثل صاحب الخريطة يجمع الرقاع من يد النقيب ويحتفظها إلى أن يعرضها على العقل. فإذا بلغت هذه الأخبار إلى الوزير يرى أحوال المملكة على مقتضاها.
فإذا رأيت واحداً منهم قد عصى عليك، مثل الشهوة والغضب، فعليك بالمجاهدة، ولا تقصد قتلهما؛ لأن المملكة لا تستقر إلا بهما.
فإذا فعلت ذلك كنت سعيداً، وأديت حق النعمة، ووجبت لك الخلعة في وقتها، وإلا كنت شقياً، ووجب عليك النكال والعقوبة.
[فصل ثلاثة أشياء تبنى عليها السعادة]
تمام السعادة مبني على ثلاثة أشياء: قوة الغضب، قوة الشهوة، قوة العلم.
فيحتاج أن يكون أمرها متوسطاً؛ لئلا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص