وإذا كان كذلك فمعلوم أنه لو نهى عن زيارة القبور مطلقًا كما نهى عن ذلك في أول الإسلام، وكما هو أحد قولي / العلماء لم يكن في ذلك معاداة لأهل القبور ولا معاندة، فكيف إذا كان النهي إنما هو عن السفر لزيارة القبور؟ وهو نهي عام لا يختص به الأنبياء والصالحون، بل كما نهى عن السفر إلى مسجد غير الثلاثة.
فهل يقول عاقل إن هذا من باب الاستهانة بالمساجد والاستخفاف بها، كالذي يمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه؟ بل نهي عن السفر إليها -مع أن إتيانها وعمارتها بالعبادات من أفضل الطاعات- فليس في ذلك نقص لقدرها، وكذلك إذا نهى عن السفر مع جواز زيارتها بلا سفر واستحباب ذلك فإنه لا يكون تنقصًا بأهل القبور بطريق الأولى إذ كان جنس النهي عن زيارتها ليس تنقصًا بهم، بخلاف النهي عن عمارة المساجد وإتيانها للصلاة والذكر والدعاء ... كان من أظلم الناس وكان كافرًا كما قال تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) الآية [سورة البقرة: (١١٤)]، ولو نهى عن السفر إليها كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم وأئمة المسلمين وقال: من نذر السفر إليها لا يوف بنذره لم يكن تنقصًا بالقبور التي لو نهى عن زيارتها لم يكن متنقصًا بها فإذا نهى عن السفر إليها لم يكن تنقصًا بها بطريق الأولى والأحرى، وهذا بين لمن تدبره.