وهو إنما خاف أن يتخذ قبره وثنًا وعيدًا بخلاف قبور عموم المؤمنين، لكن / ما عظم من القبور حتى صار وثنًا وعيدًا فإنه ينهى عن ذلك ويزال ما حصل به حتى أنه يحرم أن يبنى عليه مسجد.
والمقصود أن ما سنه لأمته نوع غير النوع الذي يقصده أهل البدع من السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين، فإنهم لا يسافرون لأجل ما شرع من الدعاء لهم والاستغفار بل لأجل دعائهم والدعاء بهم والاستشفاع بهم، فيتخذون قبورهم مساجد وأوثانًا وعيدًا يجتمعون فيه.
وهذا كله مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، فكيف يشبه ما نهى عنه وحرمه بما سنّه وفعله؟ وهذا الموضع يغلط فيه هذا المعترض وأمثاله ليس الغلط فيه من خصائصه، ونحن نعدل فيه ونقصد قول الحق والعدل فيه كما أمر الله تعالى، فإنه أمر بالقسط على أعدائنا الكفار فقال:{كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [سورة المائدة: (٨)]، فكيف بإخواننا المسلمين والمسلمون إخوة، والله يغفر له ويسدده ويوفقه وسائر إخواننا المسلمين.
الجواب الرابع: أنه لو قدر أن هذا اللفظ عام فأحاديث النهي عن السفر إلى غير المساجد الثلاثة تخص هذا كما تخص إتيان المساجد، ومعلوم أن إتيان المساجد أفضل من إتيان المقابر ونحوها، والسفر إليها أفضل. فإذا كان قد نهى عن السفر إلى غير المساجد الثلاثة فالنهي عما يكون إتيانه والسفر إليه دون إتيان المساجد أولى بالنهي، ولهذا لم يقل أحد من المسلمين إنه يسافر إلى القبور دون المساجد، بخلاف العكس فإنه يحكى عن الليث بن سعد.