لأنه منهي عنه، فلا يجوز عنده السفر إلى هاتين المدينتين إلا لأجل الصلاة في المسجدين، لا لأجل زيارة قبر ولا مسجد آخر ولا أثر من الآثار ولا غير ذلك مما يقصد به فضل مكان معين.
وأما من سافر لتجارة أو طلب علم أو غير ذلك فليس هذا من هذا الباب فإن هذا ليس قصده متعلقًا بعين المكان.
وأما السفر إلى سائر الأمصار لأجل مساجدها أو قبر فيها فلا يجوز عنده بحال. ثم إن مذهبه أن السفر المحرم لا تقصر فيه الصلاة. وأما المجيب فلم يجزم بأن الصلاة لا تقصر فيه كما ذكره هذا المفتري، بل ذكر قول هؤلاء وقول هؤلاء، ولم يرجح قول من منع القصر، ولكن ذكر حجة من نهى عن السفر إلى غير الثلاثة، ولما ذكرها تبين أنها الراجحة وأنه ليس مع أولئك ما يعارضها.
وأما قوله:
ـ[إنه خالف في ذلك السادة العلماء وأئمة العصر.]ـ
فيقال: هذا باطل، فإنه لم يخالف في ذلك أحدًا من علماء المسلمين وأئمة الدين المعروفين عند المسلمين بأنهم أئمة الدين. وأما من تكلم بلا علم أو تكلم بالهوى والجهل فهذا ليس من أئمة الدين، ولا يذكر المسلمون قول مثل هذا في كتبهم على أن يتبع / ويقتدى به، بل قال تعالى للخليل لما قال:{إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} [سورة البقرة: (١٢٤)]، فبين أن عهده بالإمامة لا ينال ظالمًا، فلا يكون الظالم إمامًا للمتقين، بل قال تعالى {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [سورة السجدة: (٢٤)]، فالأئمة الذين يهدون بأمر الله هم أهل الصبر واليقين، والله تعالى أخبر أنه جعل إبراهيم وإسحاق ويعقوب أئمة يهدون بأمره، وإبراهيم إمام الحنفاء