٩٤ - أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَطَنُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْغَلَابِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ سَارَعَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَاجْتَهَدَ مَعَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ طَلَبَنِي أَبُو جَعْفَرٍ فَاخْتَفَيْتُ فَقَبَضَ أَمْوَالِي وَدُورِي، وَلَحِقْتُ بِالْبَادِيَةِ، فَجَاوَرْتُ فِي بَنِي نَضْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ فِي بَنِي كِلَابٍ، ثُمَّ فِي بَنِي فَزَارَةَ، ثُمَّ فِي بَنِي سُلَيْمٍ، ثُمَّ تَنَقَّلْتُ فِي بِوَادِي قَيْسٍ أُجَاوِرُ فِيهِمْ، حَتَّى ضِقْتُ ذَرْعًا ⦗٨٧⦘ بِالِاخْتِفَاءِ، فَأَزْمَعْتُ عَلَى الْقُدُومِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَالِاعْتِرَافِ لَهُ، فَقَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، فَنَزَلَتْ فِي طَرَفٍ مِنْهَا، ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، وَكَانَ لِي وَادًّا فَشَاوَرْتُهُ فِي الَّذِي أَزْمَعْتُ عَلَيْهِ، فَقَبَّلَ رَأْسِي، وَقَالَ: وَاللَّهِ إِذَنْ لَيَقْتُلَنَّكَ وَإِنَّكَ لَتُعِينُ عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ: فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَشَخَصْتُ حَتَّى قَدِمْتُ بَغْدَادَ، وَقَدْ بَنَى أَبُو جَعْفَرٍ مَدِينَتَهُ، وَنَزَلَهَا، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَرْكَبُ فِيهَا مَا خَلَا الْمَهْدِيَّ، فَنَزَلْتَ دَارًا، ثُمَّ قُلْتُ لِغُلَامِي: أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمْهِلُوا ثَلَاثًا، فَإِنْ جِئْتُكُمْ وَإِلَّا فَانْصَرِفُوا، وَمَضَيْتُ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ، فَجِئْتُ دَارَ الرَّبِيعِ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَهُ، وَهُوَ حِينَئِذٍ يَنْزِلُ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ فِي الدَّارِ الشَّارِعَةِ عَلَى قَصْرِ الذَّهَبِ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ يَمْشِي، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَقُمْتُ مَعَهُمْ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: قَطَنُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: انْظُرْ مَا تَقُولُ، قُلْتُ: أَنَا هُوَ فَأَقْبَلَ عَلَى مُسَوَّدَةٍ مَعَهُ، فَقَالَ: احْتَفِظُوا بِهَذَا، قَالَ: فَلَمَّا حُرِسْتُ لَحِقَتْنِي النَّدَامَةُ، وَتَذَكَّرْتُ رَأْيَ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، فَتَأَسَّفْتُ عَلَيْهِ، وَدَخَلَ الرَّبِيعُ، فَلَمْ يُطِلْ حَتَّى خَرَجَ خَصِيُّ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدْخَلَنِي قَصْرَ الذَّهَبِ، ثُمَّ أُتِيَ بِي بَيْتًا حَصِينًا، فَأَدْخَلَنِيهِ، ثُمَّ أَغْلَقَ عَلَيَّ وَانْطَلَقَ، فَاشْتَدَّتْ نَدَامَتِي، وَأَيْقَنْتُ بِالْهَلَاكِ، وَخَلَوْتُ بِنَفْسِي أَلُومُهَا، فَلَمَّا كَانَ الظُّهْرُ، أَتَانِي الْخَصِيُّ بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأُتُ وَصَلَّيْتُ، وَأَتَانِي بِطَعَامٍ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي صَائِمٌ، فَلَمَّا كَانَ الْمَغْرِبُ أَتَانِي بِمَاءٍ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ، وَأَرْخَى عَلَيَّ اللَّيْلُ سُدُولَهُ، فَيَئِسْتُ مِنَ الْحَيَاةِ، فَسَمِعْتُ أَبْوَابَ الْمَدِينَةِ تُغْلَقُ، وَأَبْوَابَهَا تُشْدَدُ، فَامْتَنَعَ مِنِّي النَّوْمُ، فَلَمَّا ذَهَبَ صَدْرٌ ⦗٨٨⦘ مِنَ اللَّيْلِ أَتَانِي الْخَصِيُّ فَفَتَحَ عَلَيَّ، وَمَضَى بِي فَأَدْخَلَنِي صَحْنَ الدَّارِ، ثُمَّ دَنَا بِي مِنْ سِتْرٍ مَسْدُولٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا خَادِمٌ فَأُدْخِلْنَا، فَإِذَا أَبُو جَعْفَرٍ وَحْدَهُ، وَإِذَا الرَّبِيعُ قَائِمٌ نَاحِيَةً، فَأَكَبَّ أَبُو جَعْفَرٍ هُنَيْهَةً مُطْرِقًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هِيهْ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا قَطَنُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَقَدْ وَاللَّهِ جَهِدْتُ عَلَيْكَ جَهْدِي، فَعَصَيْتُ أَمْرَكَ، وَوَالَيْتُ عَدُوَّكَ، وَحَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَسْلُبَكَ مُلْكَكَ، فَإِنْ عَفَوْتَ فَأَهْلُ ذَلِكَ أَنْتَ، وَإِنْ عَاقَبْتَ فَبِأَصْغَرِ ذُنُوبِي تَقْتُلْنِي، قَالَ: فَسَكَتَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: هِيهْ، فَأَعَدْتُ مَقَالَتِي، قَالَ: فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَفَا عَنْكَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَصِيرُ مِنْ وَرَاءِ بَابِكَ لَا أَصِلُ إِلَيْكَ، وَضِيَاعِي وَدُورِي مَقْبُوضَةٌ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيَّ، فَعَلَ، قَالَ: فَدَعَا بِالدَّوَاةِ، ثُمَّ أَمَرَ خَادِمًا لَهُ فَكَتَبَ بِإِمْلَائِهِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيُّوبَ النُّمَيْرِيِّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْبَصْرَةِ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ رَضِيَ عَنْ قَطَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ ضِيَاعَهُ وَدُورَهُ وَجَمِيعَ مَا قُبِضَ لَهُ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَأَنْفِذْهُ لَهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ خَتَمَ الْكِتَابَ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي لَا أَدْرِي أَيْنَ أَذْهَبُ؟، فَإِذَا الْحَرَسُ بِالْبَابِ، فَجَلَسْتُ جَانِبَ أَحَدِهِمْ أُحَدِّثُهُ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ الرَّبِيعُ، فَقَالَ: أَيْنَ الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَ آنِفًا؟ فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: انْطَلِقْ أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَقَدْ وَاللَّهِ سَلِمْتَ، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى مَنْزِلِهِ فَعَشَّانِي وَأَفْرَشَنِي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ وَدَّعْتُهُ، فَأَتَيْتُ غِلْمَانِي وَأَرْسَلْتُهُمْ يَكْتَرُونَ لِي، فَوَجَدُوا صَدِيقًا لِي مِنَ الدَّهَاقِينَ، مِنْ أَهْلِ مَيْسَانَ قَدِ اكْتَرَى سَفِينَةً لِنَفْسِهِ، فَحَمَلَنِي مَعَهُ، فَقَدِمْتُ ⦗٨٩⦘ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيُّوبَ بِكِتَابِ أَبِي جَعْفَرٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَقْعَدَنِي عِنْدَهُ، فَلَمْ أَقُمْ حَتَّى رَدَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا اسْتُصْفِيَ لِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute