للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَبَابِيكَ لِيَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا! وَفِي هَذَا نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمَاءَ جِرْمٌ شَفَّافٌ إِذَا كَانَ مِنْ وَرَائِهِ ضِيَاءٌ حَكَاهُ.

وَهَكَذَا كَانَ مَاءُ الْبَحْرِ قَائِمًا مِثْلَ الْجِبَالِ، مَكْفُوفًا بِالْقُدْرَةِ الْعَظِيمَةِ الصَّادِرَةِ من الَّذِي يَقُول للشئ كن فَيكون، وَأمر الله تَعَالَى رِيحَ الدَّبُورِ فَلَفَحَتْ حَالَ (١) الْبَحْرِ فَأَذْهَبَتْهُ، حَتَّى صَارَ يَابِسًا لَا يَعْلَقُ فِي سَنَابِكِ الْخُيُولِ وَالدَّوَابِّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا * لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (٢) " وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا آلَ أَمْرُ الْبَحْرِ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ، بِإِذْنِ الرَّبِّ الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ الْمِحَالِ، أُمِرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَجُوزَهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَانْحَدَرُوا فِيهِ مُسْرِعِينَ مُسْتَبْشِرِينَ مُبَادِرِينَ، وَقَدْ شَاهَدُوا مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ مَا يُحَيِّرُ النَّاظِرِينَ.

ويهدى قُلُوب الْمُؤمنِينَ.

فَلَمَّا جازوه (٣) وجاوزوه وَخَرَجَ آخِرُهُمْ مِنْهُ، وَانْفَصَلُوا عَنْهُ، كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِ أَوَّلِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ إِلَيْهِ،

وَوُفُودِهِمْ عَلَيْهِ.

فَأَرَادَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ لِيَرْجِعَ كَمَا (٤) كَانَ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَكُونَ لِفِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ وَصُولٌ إِلَيْهِ، وَلَا سَبِيلٌ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ (٥) الْقَدِيرُ ذُو الْجَلَالِ أَنَّ يَتْرُكَ الْبَحْرَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، كَمَا قَالَ وَهُوَ


(١) الْحَال: الطين الاسود.
(٢) الْآيَات: ٧٧ - ٧٩ من سُورَة طه.
(٣) المطبوعة: جاوزوه.
محرفة.
(٤) ا: عَمَّا (٥) ا: فَأمر (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>