وتفصيلًا، ويثبتون ذلك على وجه التفصيل، كما ورد عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وكما تحقق وقوعه. ولكن قد أدخل الناس في الكرامات أمورا كثيرة، اخترعوها، وافتروها، وخدعوا بها العوام والسذج من الناس، وأوهموهم بأنها من الكرامات وليست إلا قسمًا من الخرافات والشعوذات. وأهل السنة أبعد الناس عن التصديق بالخرافات والأكاذيب المفتراة، وأعرف بالطرق التي يتبين بها كذب الكاذبين وافتراء المفترين.
لما ذكر طريقة أهل السنة في مسائل الأصول المعينة، ذكر طريقهم الكلي في أخذ دينهم أصوله وفروعه، وأنهم سلكوا في ذلك الصراط المستقيم، والعصمة النافعة للكتاب والسنة، واتبعوا أعظم الناس معرفة وعلما واتباعا للكتاب والسنة، وهم الصحابة رضي الله عنهم عمومًا، والخلفاء الراشدين خصوصًا، فسلكوا إلى الله ذلك الطريق مستصحبين هذه الأصول الجليلة، وما جاءهم مما قاله الناس أو ذهبوا إليه من المقالات وزنوه بمعيار الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقرون المفضلة؛ فاستقامت طريقتهم، وسلموا من بدع الأقوال المخالفة لما عليه الرسول وأصحابه في الاعتقادات، كما سلموا من بدع الأعمال، فلم يتعبدوا ولم يشرعوا إلا ما شرعه الله ورسوله.
أي: باليد ثم باللسان ثم بالقلب، تبع للقدرة والمصلحة، ويسلكون أقرب طريق يحصل به المقصود بالرفق والسهولة، متقربين بنصيحة الخلق إلى الله، قاصدين نفع الخلق وإيصالهم إلى كل خير وكفهم عن كل شر، ساعين في ذلك حسب وسعهم.
وذلك لأن غرضهم الوحيد تحصيل المصالح وتكملتها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فلا يمتنعون من إعانة الظالم على الخير وترغيبه فيه، قولًا وفعلًا، فيشاركون الولاة الظلمة في الخير، ويفارقونهم في الشر، ويحرصون على الاتفاق، وينهون عن الافتراق.
وهذا كلام جامع واضح نادر، جمعه في موضع واحد، لا يحتاج إلى شرح ولا إلى مزيد من الإيضاح.