للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأمة أحل الله لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث، ونحو ذلك من الأمور التي منَّ الله على هذه الأمة بالتوسط فيها.

وكذلك أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة المبتدعة التي انحرفت عن الصراط المستقيم

فهم وسط (١)


(١) يمتاز أهل السنة والجماعة على غيرهم من الفرق أهل الضلالة والبدع بأنهم وسط وموافقون للحق في جميع أبواب العلم والدين، فلم يغلوا ولم يفرطوا كفعل أهل البدع، فهم وسط في باب صفات الله بين الجهمية المعطلة والمشبهة، فالجهمية نفوا صفات الباري والمشبهة، أثبتوها وغلوا في إثباتها حتى شبهوا الله بخلقه.
وأما أهل السنة فأثبتوها على الوجه اللائق بجلاله من غير تشبه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية؛ لأن الجبرية غلوا في إثبات القدر وزعموا أن العبد لا فعل له، بل هو بمثابة الشجرة التي تحركها الريح يمنة ويسرة. والقدرية فرطوا بجانب الله، وقالوا: إن العبد يخلق فعله بدون مشيئة الله وإرادته. وأهل السنة توسطوا وقالوا: للعبد اختيار ومشيئة، وليس يخلق فعله بل الله خالقه وخالق أفعاله، وقالوا: إن مشيئته وإرادته بعد مشيئة الله وإرادته، كما قال سبحانه: " لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين "، وهم وسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم؛ لأن المرجئة قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية، وزعموا أن العاصي لا يدخل النار، والوعيدية من القدرية وأشباههم أنفذوا الوعيد الوارد في حق العصاة، وقالوا: إن السارق والزاني ونحوهم من العصاة إذا لم يتوبوا مخلدون في النار. وأهل السنة توسطوا في ذلك فقالوا: إن المعاصي تنقص الإيمان، وصاحبها تحت المشيئة، وقد يدخل النار، ولكن لا يخلد فيها كما جاءت به النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهم وسط في باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية؛ لأن الحرورية والمعتزلة يقولون: إن الدين والإيمان قول وعمل واعتقاد ولكن لا يزيد ولا ينقص، فمن أتى بكبيرة كالزنا ونحوه كفر عند الحرورية وصار فاسقًا عند المعتزلة خالدًا في النار، ويقولون: إنه في الدنيا ليس مؤمنًا ولا كافرًا، ولكن جعلوه في منزلة بين المنزلتين وهي الفسق.
وأما المرجئة: وهم الذين يقولون إن الإيمان قول فقط أو قول وتصديق بالقلب - فهم يرون أن المعاصي لا تنقص الإيمان ولا يستحق صاحبها النار إذا لم يستحلها، والجهمية مثل المرجئة؛ لأنهم يقولون: إن الإيمان مجرد المعرفة. فأهل السنة توسطوا بين هذه الطوائف الأربع، فقالوا: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وقالوا: إن العاصي لا يكون كافرًا لمجرد المعصية، ولا مخلدًا في النار خلافًا لقول الخوارج والمعتزلة. وقالوا أيضًا: إن المعاصي تنقص الإيمان، ويستحق صاحبها النار إلا أن يعفو الله عنه، خلافًا للجهمية والمرجئة.
وهم وسط في أصحاب رسول الله بين الرافضة والخوارج؛ لأن الرافضة غلو في على وأهل البيت، والخوارج كفروا بعض الصحابة وفسقوا بعضهم، وأهل السنة خالفوا الجميع، فوالوا جميع الصحابة، ولم يغلوا في أحد منهم.

<<  <   >  >>