للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: - وهي من أقوى العلل - أن هذا الحديث قد رواه أبو القاسم السُرّقسْطِي في ((غريب الحديث)) (١) من طريق بكير بن عبد الله الأشج عنّ عن أبي مُرّة عن أبي هُريرة [موقوفاً] ((لا يبركنّ أحدكم بُروك الجمل الشارد)) ، وهذا الإسناد أصحّ بكثير من الإسناد السابق، وهذا لفظه وليس فيه التعرّض لنزول اليدين قبل الركبتين، فهذا الإسناد قد خالف الإسناد السابق وأوقف هذا الأثر على أبي هُريرة، فهذه أربع علل ٍ في الإسناد.

بَيَانُ بُطلانِ مَتْنِهِ:

وأما العِلة التي في المتن فهي - كما تقدّم في الرواية السابقة - أن هذا الحديث قد جاء بإسناد صحيح موقوفاً على أبي هُريرة، وليس بهذا اللفظ، وإنما بلفظ ((لا يبركنّ أحدكم بُروك البعير الشارد)) وبُروك البعير الشارد إنما يكون مُسْتعجلا ً، وهذا يُؤدّي إلى عدم الاطمئنان في الصلاة، والمطلوب الطمأنينة وأن ينزل الإنسان شيئاً فشيئاً، وذلك عندما ينزل على رُكبتيه ثم يديه، فتبين من ذلك بُطلان هذا الحديث.

وقد يتعجب بعض الأخوان فيقولوا:

كيْف حَكمْتَ عليه بالبُطلان وقد قوّاهُ بعض أهل العلم بالحديث، كالحَازمي ـ رحمه الله ـ في كتابه ((الناسخ والمنسوخ)) (٢) ، وهو من أهل العلم بالحديث، وكذلك الحافظ بن حَجَر فقد قوى هذا الحديث (٣) ، وهو من أهل العلم بالحديث؟

فأقول: أن من تقدَّم من أهل قد ردّوا هذا الحديث، مثل البخاري وحمزة الكناني وابن رجب، وفيما نقِلَ عن الشافعي وأحمد وغيرهم فإن كلامهم يُفِيد ضَعْف هذا الحديث وإن لم يُصرّحوا، ولذلك الخطابي وأبو جعفر الطحاوي قوّوا حديث وائل بن حُجر على حديث أبي هُريرة، وهو الصواب.

الخُلاصَة:

أن السنة في النزول على الرُكبتين ثابت من ثلاث أدلة:

الأول: أن حديث وائل بن حُجر أقوى من حديث أبي هُريرة في المسألة، وحديث وائل وإن كان فيه ضعفاً إلا أن الدليلَ الثاني يشهدُ له.


(١) والكتاب لا يزال مخطوطاً، وتوجد في المكتبة الظاهرية منه نسخة.
(٢) وهو المُسمى بـ ((الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار)) (ص/ ١٥٨) .
(٣) انظر: فتح الباري للحافظ بن حجر (٢/ ٣٣٩ـ ٣٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>