للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* * * وقد اختلفوا في الشعر كيف اتفق لهم؟ فقد قيل: إنه اتفق في الأصل غير مقصود إليه، على ما يعرض من أصناف النظام في تضاعيف الكلام، ثم لما استحسنوه واستطابوه ورأوا أنه قد تألفه / الأسماع وتقبله النفوس - تتبعوه (١) من بعد وتعملوه.

وحكى لي بعضهم عن أبي عمر: غلام ثعلب عن ثعلب: أن العرب تعلم أولادها قول الشعر بوضع غير معقول، يوضع على بعض أوزان الشعر كأنه على وزن: * قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * ويسمون ذلك الوضع " المتير " (٢) واشتقاقه من المتر، وهو الجذب أو القطع، يقال: مترت الحبل، أي (٣) قطعته أو جذبته.

ولم يذكر هذه الحكاية عنهم غيره، فيحتمل ما قاله (٤) .

وأما ما وقع السبق إليه فيشبه أن يكون على ما قدمنا ذكره أولاً.

وقد يحتمل - على قول من قال: إن اللغة اصطلاح - أنهم تواضعوا على هذا الوجه من النظم.

وقد يمكن أن يقال مثله على المذهب الآخر، وأنهم وقفوا على ما يتصرف إليه القول

من وجوه التفاصح، وتواقفوا (٥) بينهم على ذلك.

/ ويمكن أن يقال: إن التواضع وقع على أصل الباب، وكذلك التوقيف، ولم يقع على فنون تصرف الخطاب، وأن الله تعالى أجرى على لسان بعضهم من النظم ما أجرى، وفطنوا لحسنه فتتبعوه من بعد، وبنوا عليه وطلبوه، ورتبوا فيه المحاسن التى يقع الاطراب (٦) بوزنها، وتهشُّ النفوس إليها، وجمع دواعيهم وخواطرهم على استحسان وجوه من ترتيبها، واختبار طرق نم تنزيلها، وعرفهم محاسن الكلام، ودلهم على كل طريقة عجيبة، ثم أعلمهم عجزهم عن الاتيان [بمثل] (٧) القرآن، [وأن] القدر الذى تتناهى إليه قدرهم هو ما لم يخرج عن لغتهم (٨) ، ولم يشذ من جميع كلامهم، بل قد عرض في خطابهم، ووجدوا أن


(١) م: " فتتبعوه ... وتعلموه " (٢) م: " الممتر " (٣) س: " بمعنى " (٤) م: " فحمل ما قالوه " (٥) س: " أو تواقفوهم " (٦) س: " الاضطراب بوزنها "! (٧) س: " الاتيان: بالقرآن " (٨) ا، م: " هو ما لم يفتهم " (*)

<<  <   >  >>