للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معتدل، فنزيد في الفصاحة على طريقة القرآن، ونتجاوز حده في البراعة والحسن.

ولا معنى لقول من قدر أنه ترك السجع تارة إلى غيره ثم رجع إليه، لأن ما تخلل بين الأمرين يؤذن بأن وضع الكلام غير ما قدروه من التسجيع (١، لأنه لو كان من باب السجع لكان أرفع نهاياته، وأبعد غاياته (٢) .

ولا بد لمن جوز السجع فيه وسلك ما سلكوه من أن يسلم ما ذهب إليه (٣) النظّام، وعباد بن سليمان، وهشام الفوطي، ويذهب مذهبهم، في أنه ليس في نظم القرآن وتأليفه إعجاز، وأنه يمكن معارضته، وإنما صرفوا عنه ضرباً من الصرف (٤) .

/ ويتضمن كلامه تسليم الخبط في طريقة النظم، وأنه منتظم من فرق شتى، ومن أنواع مختلفة ينقسم إليها خطابهم ولا يخرج عنها، ويستهين ببديع نظمه وعجيب تأليفه الذي وقع التحدي إليه.

وكيف يعجزهم الخروج عن السجع والرجوع إليه، وقد علمنا عادتهم في خطبهم وكلامهم أنهم كانوا لا يلزمون أبداً طريقة السجع والوزن، بل كانوا يتصرفون في أنواع مختلفة، فإذا ادعوا على القرآن مثل ذلك لم يجدوا فاصلة بين نظمى الكلامين.


(١) م: " من السجع " (٢) م: " أرفع نهاية وأبعد غاية " (٣) م: " مذهب النظام "
(٤) قال أبو الحسن الاشعري في كتابه " مقالات الاسلاميين " ص ٢٢٥: " واختلفوا في نظم القرآن، هل هو معجز أم لا؟ على ثلاثة أقاويل: فقالت المعتزلة - إلا النظام وهشاما الفوطى وعباد بن سليمان -: تأليف القرآن ونظمه معجز، محال وقوعه منهم كاستحالة إحياء الموتى منهم، وأنه علم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال النظام: الآية والاعجوبة في القرآن ما فيه من الاخبار عن الغيوب، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد، لولا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم.
وقال هشام وعباد: لا نقول: إن شيئا من الاعراض يدل على الله سبحانه، ولا نقول أيضا: إن عرضا يدل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل القرآن علما للنبى صلى الله عليه وسلم.
وزعما أن القرآن أعراض ".
(*)

<<  <   >  >>