للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا مسلم: العبد يخلق ويحيى ويميت، ويبرئ الاكمه والابرص؟ فقلت: لا يقدر العبد على ذلك، وإنما ذلك كله من فعل الباري عز وجل قال: وكيف يكون المسيح عبد الله وخلقا من خلقه، وقد أتى بهذه الآيات، وفعل ذلك كله؟ قلت: معاذ الله، ما أحيا المسيح الموتى، ولا أبرأ الاكمه والابرص.

فتحير وقل صبره، وقال: يا مسلم.

تنكر هذا مع اشتهاره في الخلق، وأخذ الناس له بالقبول؟

فقلت: ما قال أحد من أهل الفقه والمعرفة: إن الانبياء - عليهم السلام - يفعلون المعجزات من ذاتهم، وإنما هو شئ يفعله الله تعالى على أيديهم، تصديقا لهم يجرى مجرى الشهادة.

فقال: قد حضر عندي جماعة من أولاد نبيكم، وأهل دينكم، المشهورين فيكم، وقالوا: إن ذلك في كتابكم.

فقلت: أيها الملك، في كتابنا أن ذلك كله بإذن الله تعالى.

وتلوت عليه قوله تعالى (إذ قال الله: يا عيسى بن مريم، اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك، إذ أيدتك بروح القدس، تكلم الناس في المهد وكهلا،.

وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل، وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى، فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى، وتبرئ الاكمه والابرص بإذنى وإذا تخرج الموتى بإذنى) .

وقلت: إنما فعل ذلك كله بالله وحده لا شريك له، لا من ذات المسيح ولو كان المسيح يحيى الموتى، ويبرئ الاكمه والابرص من ذاته، لجار أن يقال: إن موسى فلق البحر، وأخرج يده بيضاء من غير سوء من ذاته، وليس معجزات الانبياء، عليهم السلام، من ذاتهم وأفعالهم دون إرادة الخالق، فلما لم يجز هذا: لم يجز أن تسند المعجزات التى ظهرت على يد المسيح إليه.

فقال الملك: وسائر الانبياء كلهم من آدم إلى من بعده - كانوا يتضرعون للمسيح حتى يفعل ما يطلبون! قلت: أو في لسان اليهود عظم، لا يقدرون أن يقولوا: إن المسيح كان

<<  <   >  >>