وهل تعرفون إعجاز كل قدر من القرآن بلغ الحد الذي قدرتموه بمثل ما تعرفون به إعجاز سورة البقرة ونحوها؟ فالجواب: أن [شيخنا](١) أبا الحسن الأشعري، رحمه الله (٢) ، أجاب عن ذلك: بأن كل سورة قد علم كونها معجزة بعجز العرب عنها.
وسمعت بعض الكبراء من أهل هذا الشأن، يقول: إن ذلك يصح أن يكون علم ذلك توقيفاً.
والطريقة الأولى أسدّ.
وليس هذا الذي ذكرناه أخيراً بمناف له، لأنه / لا يمتنع أن يعلم إعجازه بطرق مختلفة تتوافى عليه وتجتمع فيه.
واعلم أن تحت اختلاف هذه الأجوبة ضرباً من الفائدة.
لأن الطريقة الأولى تبين أن ما علم به كون جميع القرآن معجزاً - موجود في كل سورة، صغرت أو كبرت، فيجب أن يكون الحكم في الكل واحداً.
والطريقة الأخيرة تتضمن تعذر معرفة إعجاز القرآن بالطريقة التى سلكناها في كتابنا (٣) من التفصيل الذي بينا، فيما تعرف به في الكلام الفصاحة، وتتبين به (٤) البلاغة، حتى يعلم ذلك بوجه (٥) آخر، فيستوي في هذا القدر البليغ وغيره في أن لا يعلمه معجزاً حتى يستدل به من وجه آخر سوى ما يعلمه البلغاء من التقدم في الصنعة، وهذا غير ممتنع.
ألا ترى أن الإعجاز في بعض السور والآيات أظهر، وفى بعضها أغمض [وأدق؟ فلا يفتقر البليغ](٦) في النظر في حال بعضها إلى تأمل كثير، ولا بحث شديد، حتى يتبين له الإعجاز.
ويفتقر في بعضها إلى نظر دقيق وبحث لطيف، حتى يقع على الجلية،
ويصل إلى المطلب.
/ ولا (٧) يمتنع أن يذهب عليه الوجه في بعض السور، فيحتاج أن يفزع فيه إلى إجماع أو توقيف، أو ما علمه من عجز العرب قاطبة عنه.
(١) الزيادة من م (٢) م: " رحمة الله عليه " (٣) س: " في بناء من التفصيل " (٤) س، ك: " فيه " (٥) م: " توجه " (٦) الزيادة من ا، ب، م، ك وفى س " أغمض وقد لا يحتاج في النظر " (٧) م: " فلا " (*)