لانهم يرون أن السجع الرائع مظهر من مظاهر الاقتدار على البلاغة، والامتلاك لزمام الفصاحة، وأن السجع الكثير في القرآن قد جاء في أرفع صور البيان، وباين كل أسجاع الساجعين، كما يؤمنون بأن سر إعجاز القرآن نظمه البديع، وبلاغته الرائعة المجاوزة لجميع بلاغات العرب.
وأى فارق بين مشاركة القرآن كله لغيره من الكلام في كونه كلاما عربيا مؤلفا من ألفاظ فصيحة بليغة، وبين مشاركة بعض آية في كونها جاءت مسجوعة؟ وكيف يكون السجع المحمود من أمارات الفصاحة المعدودة، التى يقصد إليها أعلام البلغاء في بعض كلامهم لتوشيته وتزيينه، وتحسينه بعقد المناسبة بين ألفاظه ثم نجرد القرآن منه، وننفيه عنه بزعمنا، مع ادعائنا أنه قد اشتمل على أنواع البلاغة والفصاحة جميعا؟ ولئن قال الباقلانى:" إن السجع عيب يجب تفيه عن القرآن، فإنى أقول: إن السجع من الميزات البلاغية التى يجدر بنا أن ننزه القرآن عن خلوه منها.
* * * والفصل السابع من فصول إعجاز القرآن ص ١٠١ في ذكر البديع من الكلام، بدأه الباقلانى بقوله: إن سأل سائل فقال: هل يمكن أن يعرف إعجاز القرآن من جهة تضمنه البديع؟ قيل: ذكر أهل الصنعة ومن صنف في هذا المعنى من صفة البديع ألفاظاً نحن نذكرها، ثم نبين ما سألوه عنه، ليكون الكلام وارداً على أمر مبين، وباب مقرر مصور ".
ثم نقل جملة من بديع الشعر، بعضها من كتابي البديع لابن المعتز، ونقد الشعر لقدامة بن جعفر، وقال ص ١٦٢:" وقد
قدر مقدرون أنه يمكن استفادة إعجاز القرآن من هذه الأبواب التي نقلناها، وأن ذلك مما يمكن الاستدلال به عليه.
وليس كذلك عندنا، لأن هذه الوجوه إذا وقع التنبيه عليها أمكن التوصل إليها بالتدريب والتعود والتصنع لها، والوجوه التي نقول: إن إعجاز القرآن يمكن أن يعلم منها، فليس مما يقدر البشر على التصنع له والتوصل إليه بحال ".
وختم كلامه في هذا الفصل بقوله: " إنا لا نجعل الإعجاز متعلقاً بهذه الوجوه الخاصة، ووقفاً عليها، ومضافاً إليها، وإن صح أن تكون