للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي هدى الله، والفريق الذي حقت عليهم الضلالة، ليتبين للعباد عدله وحكمته، وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر .. ". (١)

وفي معنى الآية يقول محمد رشيد رضا: " {لو شاء ربك} أيها الرسول الحريص على إيمان قومه الآسف على إعراض أكثرهم عن إجابة دعوته واتباع هدايته {لجعل الناس أمة واحدة} على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة، لا رأي لهم فيه ولا اختيار، وإذاً لما كانوا هم هذا النوع من الخلق المُسمّى البشر وبنوع الإنسان، بل كانوا في حياتهم الاجتماعية كالنحل أو كالنمل، وفي حياتهم الروحية كالملائكة مفطورين على اعتقاد الحقِّ وطاعة الله عز وجل، فلا يقع بينهم اختلاف. ولكنّه خلقهم بمقتضى حكمته كاسبين للعلم لا مُلْهَمين. وعاملين بالاختيار". (٢)

ولما كان الاختلاف والتّعدّد آية من آيات الله، فإنّ الذي يسعى لإلغاء هذا التّعدّد كلية، فإنما يروم محالاً ويطلب ممتنعاً، لذا كان لابد من الاعتراف بالاختلاف.

والاعتراف بوقوع هذا الخلاف لا يعني إقرار هذه المختلفات ولا تسويغ الاختلاف فيها، لكنه يفرض على أهل الحق أن يتصدوا لهداية من قدروا على هدايته من المختلفين عنهم، مع يقينهم بالعجز عن إنقاذ الكثيرين ممن اختار العماية، قال تعالى: {أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً} (الرعد: ٣١).

قال القرطبي: " والمعنى على هذا: أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً أن يشاهدوا الآيات ". (٣)

وعليه فإن هداية الجميع من المحال، فإن أكثر الناس لا يعلمون الحق، وأكثرهم لا يؤمنون به إن علموا به، وواجب الدعاة الدأب في دعوتهم وطلب أسباب هدايتهم، أي بذل الجهد في إزالة الخلاف ورفعه.


(١) تيسير الكريم الرحمن (٢/ ٣٩٦).
(٢) تفسير المنار (١٢/ ١٩٣).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٩/ ٣٣٠).

<<  <   >  >>