للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- الدعوة إلى معرفة الآخر كما يريد هو أن يُعرف، ورفع الأحكام المسبقة عنه، مع التأكيد على الدعوة إلى نسيان الماضي التاريخي، والاعتذار عن أخطائه، والتخلص من آثاره.

وهذا اللون من الحوار مشروع وجائز، فقد شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في شبابه حلف المطيبين الذين اتفقوا على رد المظالم وإعانة المظلوم، وهو لون من اللقاء حول أسباب التعايش.

وحين بُعث عليه الصلاة والسلام أكد مشروعية مثل هذا العمل النبيل والتزامه به فقال: ((ما شهدت من حلف إلا حلف المطيبين , وما أحب أن أنكثه، وأن لي حمر النعم) وفي رواية أنه قال: ((ولو دعيت به اليوم في الإسلام لأجبت)). وفي رواية عزاها ابن كثير في السيرة إلى الحميدي: ((لو دعيت به في الإسلام لأجبت؛ تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها، وألا يعز ظالم مظلوماًً)). (١) فقد أقر - صلى الله عليه وسلم - اللقاء مع الكافر على مثل هذه القيمة النبيلة والخصلة الحميدة.

قال ابن حجر في الفتح: " وكان حلفهم أن لا يعين ظالم مظلوماً بمكة, وذكروا في سبب ذلك أشياء مختلفة محصلها: أن القادم من أهل البلاد كان يقدم مكة، فربما ظلمه بعض أهلها فيشكوه إلى من بها من القبائل، فلا يفيد , فاجتمع بعض من كان يكره الظلم ويستقبحه، إلى أن عقدوا الحلف , وظهر الإسلام وهم على ذلك ". (٢)

وقال القرطبي رحمه الله: "ذكر ابن إسحاق قال: اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان لشرفه ونسبه، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه، حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وهو الذي قال فيه


(١) رواه أحمد ح (١٦٥٨)، والبخاري في الأدب المفرد ح (٥٧٠)، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي (٢/ ٢١٩)، والطحاوي في مشكل الآثار ح (٥٢١٧)، وصححه الألباني في فقه السيرة بمجموع طرقه (ص ٧٢)، وانظر: السيرة النبوية (١/ ٢٥٨).
(٢) فتح الباري (٤/ ٤٧٣).

<<  <   >  >>