للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت) وهذا الحلف هو المعنى المراد في قوله عليه السلام: ((وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)) (١)، لأنه موافق للشرع إذا أمر بالانتصاف من الظالم". (٢)

قال المباركفوري: "قوله: ((أوفوا)) من الوفاء، وهو القيام بمقتضى العهد ((بحلف الجاهليّة)) أي العهود الّتي وقعت فيها، ممّا لا يخالف الشّرع لقوله تعالى: {أوفوا بالعقود} (المائدة: ١) لكنّه مقيّدٌ بما قال الله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة: ٢)، ((فإنّه)) أي الإسلام ((لا يزيده)) أي حلف الجاهليّة الّذي ليس بمخالفٍ للإسلام ((إلّا شدّةً)) أي شدّة توثّقٍ، فيلزمكم الوفاء به". (٣)

قال ابن القيم: " وأمّا قول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((شهدت حلفاً في الجاهليّة ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم , لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت))، فهذا - والله أعلم - هو حلف المطيّبين , حيث تحالفت قريش على نصر المظلوم , وكفّ الظّالم ونحوه , فهذا إذا وقع في الإسلام كان تأكيدًا لموجب الإسلام وتقوية له. وأمّا الحلف الّذي أبطله فهو تحالف القبائل: بأن يقوم بعضها مع بعض وينصره، ويحارب من حاربه , ويسالم من سالمه. فهذا لا يعقد في الإسلام". (٤)

قال ابن حجر: " ذكره ابن إسحاق وغيره , وكان جمع من قريش اجتمعوا فتعاقدوا على أن ينصروا المظلوم وينصفوا بين النّاس ونحو ذلك من خلال الخير , واستمرّ العمل بهذا الحلف بعد البعثة النبوية , ويستفاد من حديث عبد الرّحمن بن عوف أنّهم استمرّوا على ذلك في الإسلام , وإلى ذلك الإشارة في حديث جبير بن مطعم ... ". (٥)


(١) رواه مسلم ح (٢٥٣٠).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٣٣)، وانظر شرح النووي على مسلم (١٦/ ٨٢).
(٣) تحفة الأحوذي (٥/ ١٧٣).
(٤) حاشية ابن القيم (٨/ ١٠١).
(٥) فتح الباري (١٠/ ٥٠٢).

<<  <   >  >>