للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال تعالى مبيناً للمؤمنين ما سيتعرضون له من أذى المشركين، وآمراً إياهم بالصبر والتقوى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً} (آل عمران: ١٨٦).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأمر سبحانه وتعالى بالصبر على أذى المشركين وأهل الكتاب مع التقوى .... وقد قال سبحانه وتعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة: ٨)، فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا عليهم ... فهذا موضع عظيم المنفعة في الدين والدنيا .. ". (١)

وفي آية أخرى أخبر الله بتنكب كثير من أهل الكتاب طريق الإيمان وإعراضهم عما تبين لهم من الحق، بل وصدهم عنه وحرصهم على إضلال المهتدين حسداً وبغياً، وفي مقابله أمر الله بالعفو والصفح حتى يكون الجزاء في دار عدله: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير} (البقرة:١٠٩). قال القرطبي: "والعفو ترك المؤاخذة بالذنب، والصفح إزالة أثره من النفس". (٢)

وقد التزم - صلى الله عليه وسلم - أمر ربه فصبر على أذى المشركين وأعرض عنه، ولم يقابل إساءتهم بالمثل، وصور ذلك في سيرته كثيرة.

منها ما صنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع اليهود الذين أتوا إليه يحاورونه، تقول عائشة رضي الله عنها: إن اليهود أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السام عليك، قال: ((وعليكم) فقالت عائشة: السام عليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف أو الفحش)). قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: ((أولم تسمعي ما قلتُ؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ)). (٣)


(١) الاستقامة (١/ ٣٨).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (٢/ ٧١).
(٣) رواه البخاري ح (٦٤٠١).

<<  <   >  >>