للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٣. ترك الخوض فيما لا يحسنه

لعل من الضروريات التي لا يحسن بأحد تجاوزها عدم خوض المرء فيما لا يملك عليه بينة ولا برهاناً، والرزية أن يهرف المرء بما لا يعرف، وأن يقول ما لا يعلم، وهذا الذي نعاه القرآن على أهل الكتاب، وهو ذم لكل من صنع صنيعهم، قال الله تعالى: {فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} (آل عمران: ٦٦)، قال القرطبي: " دليل على المنع من الجدال لمن لا علم له، والحظر على من لا تحقيق عنده .. قد ورد الأمر بالجدال لمن علم وأيقن، فقال تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} ". (١)

وقال تعالى: {إن الذين يجادلون فى ءايات الله بغير سلطان أتاهم إن فى صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير} (غافر: ٥٦).

وفي هذه الآيات تقريع من القرآن الكريم لأولئك الذين يخاصمون الأنبياء، ويلجون إلى الحوار دون دليل ولا برهان، ولأنهم لا يملكون علماً ولا حجة، فإنهم يعالجون مسائلهم بالهوى والجدال بالباطل والتكذيب والاستكبار عن قبول الحق.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أعلم الخلق - توقف في حواره مع أهل نجران حتى أتاه علم الله في المسألة التي يحاور فيها، إذ لما جاءه راهبا نجران عرض عليهما الإسلام، فقال أحدهما: إنا قد أسلمنا قبلك. فقال: ((كذبتما. إنه يمنعكما عن الإسلام ثلاثة: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وقولكم: لله ولد)).

قال [الحبر]: من أبو عيسى؟ وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يعجل حتى يأتي أمر ربه، فأنزل الله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} (آل عمران: ٥٩))). (٢)

فالمشاركون في الحوار مدعوون لالتزام هذا الهدي النبوي، وعدم الخوض في قضايا الحوار المختلفة إلا ببينة من الله أو برهان من رسوله.


(١) الجامع لأحكام القرآن (٤/ ١٠٨).
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٣/ ١٦٣)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (٢/ ٢٥٨).

<<  <   >  >>