للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٤. ترك المجال للمحاور بذكر معتقده

ولما كان الحوار يدور بين طرفين أو جهتين، فإنه من الطبيعي أن يعرب كل طرف عن معتقده، وأن يذكر ما يجول في خاطره من تساؤلات، يبحث عن إجابة لها، وقد يقع المحاور غير المسلم بما لم يعتده المسلم من أدب واحترام لشعائر الإسلام، فقد يذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - مجرداً، وقد يقول بأن القرآن من كلام محمد، أو أن المسيح هو الله، وغيرها مما يعتقده ويستنكره المسلم ويستقبحه، بل قد يرغب المحاور بممارسة طقوسه وعبادته، فهل يؤذن له بذلك طلباً لاستمرار الحوار وطمعاً في مصلحة غالبة؟

وفي الإجابة عنه نقول: وقع مثل هذا زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد قبِل - صلى الله عليه وسلم - من حَبر يهودي أن يخاطبه باسمه مجرداً من النبوة، إذ هو مما لا يعتقده محاوره، قال ثوبان: كنت قائماً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد. فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي ... )). (١)

وحين حاور النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجده بالمدينة وفد نصارى نجران الذي قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في خمسة عشر رجلاً بقيادة أسقفهم أبي الحارث؛ أذن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقيموا صلاتهم في أحد أركان مسجده. (٢)

قال ابن القيم: "وفيها جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين، وفيها تمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفي مساجدهم أيضاً إذا كان ذلك عارضاً، ولا يمكنون من اعتياد ذلك ". (٣)

ويقول: "أما الآن فلا مصلحة للمسلمين في دخولهم مساجدَهم والجلوس فيها، فإن دعت إلى ذلك مصلحة راجحة جاز دخولها بلا إذن ". (٤)


(١) رواه مسلم ح (٣٥١).
(٢) ذكره ابن هشام في سيرته (١/ ٥١١)،، ونقل مثله ابن القيم في زاد المعاد عن أبي أمامة (٣/ ٦٣٠ - ٦٣١)، وانظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (٤/ ٥).
(٣) زاد المعاد (٣/ ٦٣٨).
(٤) أحكام أهل الذمة (١/ ٤٠٨).

<<  <   >  >>