للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الرازي: "هذه المباحثة إنما جرت مع قومه لأجل أن يرشدهم إلى الإيمان والتوحيد، لا لأجل أن إبراهيم كان يطلب الدين والمعرفة لنفسه".

وقوله عليه السلام عن الشمس والقمر والكوكب: {هذا ربي} إنما نوع من التدرج في إبطال ربوبيتها.

وقد ذكر الرازي وجوهاً في توجيه قول إبراهيم عليه السلام منها " أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب، إلا أنه عليه السلام كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبُعد طباعهم عن قبول الدلائل؛ أنه لو صرح بالدعوة إلى الله تعالى لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه، فمال إلى طريق به يستدرجهم إلى استماع الحجة، وذلك بأن ذكر كلاماً يوهم كونه مساعداً لهم على مذهبهم بربوبية الكواكب، مع أن قلبه صلوات الله عليه كان مطمئناً بالإيمان، ومقصوده من ذلك أن يتمكن من ذكر الدليل على إبطاله وإفساده وأن يقبلوا قوله، وتمام التقرير أنه لما لم يجد إلى الدعوة طريقاً سوى هذا الطريق، وكان عليه السلام مأموراً بالدعوة إلى الله كان بمنزلة المكره على كلمة الكفر". (١)

قال ابن القيم: " قاله على سبيل التقرير، لتقريع قومه أو على سبيل الاستدلال والترقي " (٢)، وقال: "قيل: إنها على وجه إقامة الحجة على قومه، فتصور بصورة الموافق ليكون أدعى إلى القبول، ثم توسل بصورة الموافقة إلى إعلامهم بأنه لا يجوز أن يكون المعبود ناقصاً آفلاً ". (٣)

ودعا الله نبيه إلى تألف قلوب اليهود والنصارى ودعوتهم إلى الإسلام من خلال دعوتهم إلى محبب إليهم، إلى اتباع ملة إبراهيم الذي يؤمنون به، وهي في الحقيقة دعوة كل الأنبياء، فقال: {وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين - قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما


(١) التفسير الكبير (١٣/ ٤٠،٤١).
(٢) دقائق التفسير (٢/ ١١٢).
(٣) مدارج السالكين (٣/ ٦١).

<<  <   >  >>