للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون} (البقرة: ١٣٥ - ١٣٦).

قال الطبري: "احتج الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أبلغ حجة وأوجزها وأكملها، وعلَّمها محمداً نبيَه - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، قل للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك: {كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا} (البقرة: ١٣٥): بل تعالوا فلنتبع ملة إبراهيم التي يجمِع جميعُنا على الشهادة لها؛ بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه، وأمر به، فإن دينه كان الحنيفية المسلمة، ونَدَع سائر الملل التي نختلف فيها، فينكرها بعضنا، ويقر بها بعضنا، فإن ذلك على اختلافه لا سبيل لنا إلى الاجتماع عليه، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم". (١)

ومن التنزل مع الآخر والرفق في مجادلته مخاطبتُه باصطلاحاته ولغته، يقول ابن تيمية: "وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه، إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحة، كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعُرفهم، فإنَّ هذا جائزٌ حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتاجوا إليه". (٢)

وقال رحمه الله: "ولا ريب أن الألفاظ في المخاطبات تكون بحسب الحاجات كالسلاح في المحاربات، فإذا كان عدو المسلمين - في تحصنهم وتسلحهم - على صفة غير الصفة التي كانت عليها فارس والروم، كان جهادهم بحسب ما توجبه الشريعة التي مبناها على تحري ما هو لله أطوع وللعبد أنفع، وهو الأصلح في الدنيا والآخرة، وقد يكون الخبير بحروبهم أقدر على حربهم ممن ليس كذلك، لا لفضل قوته وشجاعته، ولكن لمجانسته لهم، كما يكون الأعجمي المتشبه بالعرب - وهم خيار العجم - أعلم بمخاطبة قومه الأعاجم من العربي ". (٣)


(١) جامع البيان (١/ ٥٦٤).
(٢) درء تعارض العقل والنقل (١/ ٤٣).
(٣) مجموع الفتاوى (٤/ ١٠٧).

<<  <   >  >>