للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن كان كافراً - أو قال فاجراً - واحذروا زيغة الحكيم، قالوا: كيف نعلم أن الكافر يقول كلمة الحق؟ قال: إن على الحق نوراً". (١)

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: " ولكنّ الحق يقبل من كل من تكلم به". (٢)

وهكذا فإن الحق رائد المحاور المسلم، كائناً من كان قائله، ورفض الحق والاستكبار عن قبوله من الآخر مجاف لآداب الإسلام، الذي يوصي المؤمنين: {ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة:٢).

٨. حسن الاستماع للمحاور الآخر

من أهم الآداب التي لا ينفك عنها الحوار؛ حسنُ الاستماع للمحاور الآخر، إذ لا يمكن تحقيق المرجو من الحوار إذا كان من طرف واحد، بل لا يمكن تسميته حينذاك حواراً، ولا يخفى أن المحاور المسلم سيسمع من محاوره نصرة لدينه الباطل وكفراً بالمعتقد الحق الذي يدعو هو إليه، لكن سماعه لذلك ضروري ليُسمع الآخرين هدي الله.

وقد جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عتبة بن ربيعة يستمع إليه، وهو يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - حطاماً من الدنيا، ويطلب منه التخلي عن دعوته ودينه في مقابلها، يقول ابن هشام: "حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمع منه قال: ((أقد فرغت يا أبا الوليد؟)) قال: نعم. قال: ((فاسمع مني)) قال: أفعل ". (٣)

ومن هذا الأدب السامي استلهم عطاء بن أبي رباح خصلة من خصال الخلق الجم، فيقول: " إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنصت له، كأني لم أسمعه، وقد سمعته قبل أن يولد". (٤)

ولا ريب أن تخلق المحاور المسلم بهذه الآداب واجب شرعي، وهو أدعى إلى قبول دعوته وسماع حجته، فالدعوة إلى الإسلام بالحوار والجدال ينبغي أن تكون منضبطة بالوسائل والآداب الشرعية التي رأيناها في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.


(١) رواه أبو داود ح (٤٦١١)، والبيهقي في سننه (١٠/ ٢١٠).
(٢) مجموع الفتاوى (٥/ ١٠١).
(٣) السيرة النبوية (٢/ ١٣١)، وحسنه الألباني في فقه السيرة.
(٤) سير أعلام النبلاء (٥/ ٨٦).

<<  <   >  >>