للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم ذكر السيوطي أمراً آخر يدفع العلماء إلى القول بالنسخ، وهو تعارض النصوص، الذي لا سبيل للجمع فيه، يقول: "وقد يحكم به عند التعارض المقطوع به، مع علم التاريخ، لنعرف المتقدم والمتأخر .. ولا يعتمد في النسخ قول عوامّ المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح، ولا معارضة بيّنة، لأن النسخ يتضمن رفع حكم، وإثبات حكم تقرر في عهده - صلى الله عليه وسلم -. والمعتمد فيه: النقل والتاريخ، دون الرأي والاجتهاد". (١)

ويسوق ابن حزم ضابطاً ثالثاً لصحة ادعاء النسخ، ألا وهو الإجماع، فيقول: "فإذا اجتمعت علماء الأمة كلهم بلا خلاف من واحد منهم على نسخ آية أو حديث، فقد صح النسخ حينئذ".

أما إذا لم يحصل الإجماع - كما في مسألتنا - فإنه لا يُصار إلى النسخ إلا "إن وجدنا الأمرين لا يمكن استعمالهما معاً، أو وجدنا أحدهما كان بعد الآخر بلا شك، أو وجدنا نصاً جلياً يصرح بالنسخ، ووجدنا نصاً في ذلك من نهي بعد أمر، أو أمر بعد نهي".

أما إذا لم تقترن دعوى النسخ بدليلها، فإن ابن حزم يرد هذا، وينكره، فيقول: "لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة: هذا منسوخ إلا بيقين؛ لأن الله عز وجل يقول: {وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن الله} (النساء: ٦٤) وقال تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} (الأعراف: ٣).

فكل ما أنزل الله تعالى في القرآن أو على لسان نبيه، ففرضٌ اتباعه، فمن قال في شيء من ذلك: إنه منسوخ، فقد أوجب ألا يطاع ذلك الأمر، وأسقط لزوم اتباعه، وهذه معصية لله تعالى مجردة وخلاف مكشوف، إلا أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفترٍ مبطل ... ولا يجوز لنا أن نسقط طاعة أمر، أمرنا به الله تعالى ورسوله، إلا بيقين لا شك فيه". (٢)

أما القرطبي فيكتفي بذمِّ هذا الصنيع وتخطئة صاحبه، إذ يقول:


(١) الإتقان في علوم القرآن (٢/ ٦٦).
(٢) الإحكام في أصول الأحكام (٤/ ٤٨٤).

<<  <   >  >>