للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي نبذ الجدل العقيم الصادر عن طائفة غير مؤمنة، يقول الله تعالى: {ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون - قالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون - إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل} (الزخرف: ٥٨ - ٥٧).

قال الطبري: " ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد هؤلاء المشركين في محاجتهم إياك بما يحاجونك به طلب الحق، بل هم قوم خصمون، يلتمسون الخصومة بالباطل ". (١)

يقول ابن تيمية: "وقد يُنهى عنها [أي المناظرة] إذا كان المناظَر معانداً يظهر له الحق فلا يقبله، وهو السوفسطائي، فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بيّنة بنفسها ضرورية، وجحدها الخصم كان سوفسطائياً، ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك". (٢)

وقال ابن سعدي في وصف المجادلة المحمودة: "أن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق، لا المغالبة ونحوها)). (٣)

ومثل هذا الحوار ينجر عادة إلى السباب المحرم، الذي لا يتوافق مع الدعوة بالحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، بل هو نوع من الرعونة والفحش وسوء الخلق.

وهذه الصفات أبعد ما تكون عن المؤمن، إذ ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)). (٤)

قال الغزالي: "المؤمن ليس بلعان؛ فينبغي ألا يطلق اللسان باللعنة إلا على من مات على الكفر، أو على الأجناس المعروفين بأوصافهم، دون الأشخاص المعينين، فالاشتغال بذكر الله أولى، فإن لم يكن ففي السكوت سلامة". (٥)

ولما قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، ادع على المشركين .. قال: ((إنّي لم أبعث لعّانًا، وإنّما بعثت رحمةً)). (٦)


(١) جامع البيان (٢٥/ ٨٨).
(٢) درء تعارض العقل والنقل (٧/ ١٧٣ - ١٧٤).
(٣) تيسير الكريم الرحمن (٣/ ٩٣).
(٤) رواه أحمد ح (٣٨٢٩) والترمذي ح (١٩٧٧)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح (١٦١٠).
(٥) إحياء علوم الدين (٣/ ١٢٥).
(٦) رواه مسلم ح (٢٥٩٩).

<<  <   >  >>