للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال مكي بن إبراهيم: كنا عند ابن عون، فذكروا بلال بن أبي بردة [الوالي] فجعلوا يلعنونه ويقعون فيه لأذاه لابن عون وامتحانه له، وابن عون ساكت، فقالوا: يا ابن عون؛ إنما نذكره لما ارتكب منك! فقال: إنما هما كلمتان تخرجان من صحيفتي يوم القيامة: "لا إله إلا الله"، "ولعن الله فلاناً"، فلأن يخرج من صحيفتي: "لا إله إلا الله"؛ أحب إلي من أن يخرج منها: "لعن الله فلاناً". (١)

وخشية الانجرار إلى السباب وتقويض غايات الحوار ومقاصده نهى الله عن المؤمنين عن سب ولمز آلهة المشركين وأصنامهم، فقال: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم} (الأنعام: ١٠٨).

وقد نقل المفسرون في سبب نزولها أن كفار قريش قالوا لأبي طالب: "إما أن تنهى محمداً وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها، وإما أن نسب إلهه ونهجوه"، فنزلت الآية. (٢)

وقد أفاد القرطبي منها النهي عن سب ولمز سائر ما يقدسه الآخرون، لا من باب التعظيم لها، بل سياسة وتألفاً، يقول: "حكمها باق في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في مَنَعة، وخيف أن يسب الإسلام أو النبي عليه السلام أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسُبَّ صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك لأنه بمنزلة البعث على المعصية .. وفيها دليل على أن المحقَّ قد يكف عن حق له إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين". (٣)

٥ - هجر المصطلحات والأساليب الشرعية

ومما يقع به المتحاورون أحياناً هجر المصطلحات والأساليب والحجج الشرعية والتباعد عنها تقرباً إلى الآخرين أو غيره مما يرونه مصلحة للدعوة.

وهذا الصنيع مجاف، بل منافٍ لما عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - في مخاطبته المشركين.


(١) انظر: إحياء علوم الدين (٣/ ١٢٦).
(٢) انظر: لباب النقول في أسباب النزول (١١٩)، والجامع لأحكام القرآن (٧/ ٦١).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٧/ ٦١).

<<  <   >  >>