المشركين إذا ما سولت لهم أنفسهم شرًا أو عدوانًا وغدرًا ثم ساروا حتى انكشفت لهم البيت الحرام الذي حيل بينهم وبينه منذ عام مضى ومنعوا عنه سنوات طوالاً فما كادوا يرونه حتى علا صوتهم جميعًا بالتهليل والتكبير، وأحاط المسلمون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في إعزاز وإكبار وما أن أهلت جموعهم حتى جلا القرشيون عن مكة مسرعين إلى التلال والجبال التي تحيط ببطن الوادي؛ لأنهم لم يقتنعوا ولا يريدون أن يروا محمدًا وصحبه يعودون إلى مكة.
بعد أن غادروها منذ أعوام تحت جنح الليل الحالك وسواده الداهم أذلاء مقهورين مبعدين أو هاربين مهاجرين.
وكان قد بقي في مكة عدد من المسلمين المستضعفين لا يستطيعون حولاً ولا طولاً يتخفى بعضهم ويمالئ بعضهم الآخر قريشًا ومنهم ميمونة - رضي الله عنها -.
[خلوا بني الكفار عن سبيله]
دخل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مكة فرحًا، وكذلك أصحابه، وعبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - أخذ بزمام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القصواء فكان يرتجز الشعر، فأراد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يمنعه من ذلك، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له:«دعه يا عمر والله لوقع كلامه أشد عليهم أي: المشركون من ضربات الحسام ووقع السهام».
فاستمر عبد الله يرتجز ويردد:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكان الخير في رسوله