للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبوصيري كغيره من غلاة الصوفية الذين يعتقدون أن الدنيا بمن فيها لم تخلق إلا من أجل محمد صلى الله عليه وسلم، ونور محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ذكره في البردة وغيرها. قال في البردة:

وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةُ منْ ... لولاه لم تخرجِ الدنيا من العدمِ

وقال:

وكل آيٍ أتى الرُّسْلُ الكرامُ بها ... فإنما اتصلت من نوره بهم

وقال:

فاق النبيين في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ ... ولم يدانوه في علمٍ ولا كرمِ

وكلُّهم من رسول الله ملتمسٌ ... غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ

وقال في الهمزية مؤكداً هذا المعنى:

كلُّ فضلٍ في العالمين فمِنْ ... فضلِ النبي استعاره الفضلاءُ

قال الهيتمي في شرح البردة: (فإنما اتصلت من نوره بهم: أي وصلت منه إليهم بطريق الاستمداد وذلك لأن نوره صلى الله عليه وسلم كان مخلوقاً قبل آدم صلوات الله وسلامه عليه بل قبل سائر المخلوقات من السموات وما فيها والأرض وما عليها وغير ذلك) (١) وهذا من خرافات الصوفية فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولدُ آدم وخُلق بعد آدم، فكيف يكون نوره خلق قبله؟! عليه صلوات ربي وسلامه.

وقال في شرح الهمزية: (لأنه صلى الله عليه وسلم الممد لهم، إذ هو الوارث للحضرة الإلهية، والمستمد منها بلا واسطة دون غيره، فإنه لا يستمد منها إلا بواسطته صلى الله عليه وسلم، فلا يصل لكامل شيء إلا وهو من بعض مدده وعلى يديه، فآيات كل نبي إنما هي مقتبسة من نوره، لأنه كالشمس، وهم كالكواكب، فهي غير مضيئة بذاتها وإنما هي مستمدة من نور الشمس، فإذا غابت أظهرت أنوارها فهم قبل وجوده صلى الله عليه وسلم إنما كانوا يظهرون فضله، وأنوارهم مستمدة من نوره الفائض ومدده الواسع) (٢) . كلام لا دليل عليه لا عقلي ولا نقلي، إنما هو كلام في كلام، لا زمام له ولا خطام.


(١) انظر: (العمدة شرح البردة للهيتمي) (ص ٢٨٩) .
(٢) انظر: (المنح المكية شرح الهمزية) (٢/٦٥٢) .

<<  <   >  >>