ونشرته بين الناس، وكان لهذه الدولة قانون كامل هو القانون الروماني الذي يعتبر أساسًا ومصدرًا لكل القوانين الأوروبية العصرية، ولذلك لم يكن للدين محل في التشريع، خصوصًا وأن الدين المسيحي لم يأت بتشريع خاص، ولكن احتضان الدولة للدين الجديد وقيامها بنشره اقتضى أن يضاف إلى القانون بعض النصوص التي تلائم هذا التطور. ثم جاء بعد ذلك عهد استغل فيه رجال الكنيسة سلطانهم وثقة الجماهير فيهم، فاتبعوا أهواءهم، وجروا وراء مطامحهم وألبسوا كل ذلك ثَوْبًا مِنَ الدِّينِ، لِيُخْضِعُوا له الناس باسم الدين، وليتغلبوا بسهولة على منافسي سلطانهم من السياسيين والمفكرين، ولكن الغلبة كانت للآخرين، حيث انتهت المعركة بعزل رجال الدين عن الحكم والسلطان.
فالمنافسة بين رجال الدين ورجال السياسة لم تكن على الدين أو السياسة، وإنما كانت على السلطان ولا شيء غيره، والنزاع الذي حدث في أوروبا لم يكن نزاعا بين أهواء رجال الكنيسة وأهواء رجال السياسة، وَحَرْبًا بين التدجيل باسم الدين، والتدجيل باسم الشعوب. وقد انتهى كل هذا بالفصل بين رجال الدين وسلطان الدولة وبما يسمى اختصارًا: الفصل بين الدين والدولة. وليس أدل على ذلك من أن القوانين الأوروبية لا تزال كما هي لم تتأثر بنظرية الفصل بين الدين والدولة، ولم يحذف منها إلا بعض النصوص التي وضعت في العصور الوسطى لحماية السلطان الذي اغتصبته الكنيسة لنفسها، ولا تكاد القوانين الأوروبية العصرية