الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف الحديث، من جهة أن البخاري أورده قائلاً: قال هشام بن عمار، وساقه بإسناده. فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف، وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف بالاتصال بشرط الصحيح. اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وأما كونه سمعه من هشام بلا واسطة وبواسطة فلا أثر له؛ لأنه لا يجزم إلا بما يصح للقبول، ولا سيما حيث يسوقه مساق الاحتجاج.
ويبين الحافظ أن الحديث جاء موصولاً إلى هشام بن عمار عند الإسماعيلي في مستخرجه، والطبراني في مسند الشاميين.
ويبين الشيخ الألباني رحمه الله، أن الحديث جاء موصولاً كذلك في صحيح ابن حبان، ومعجم الطبراني الكبير، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتابه رحمه الله "تحريم آلات الطرب" فقد كفى وشفى.
وفي حكم معلقات البخاري والرد على ابن حزم يقول الحافظ العراقي في ألفيته في الحديث:
وإن يكن أول الإسناد حذفْ ... مع صيغة الجزم فتعليقًا عرفْ
ولو إلى آخره أما الذي ... لشيخه عزا بقال فكَذي
عنعنة كخبر المعازفِ ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ
والحاصل أن هذا الحديث صحيح لا مطعن في إسناده، وما قاله الشيخ من أن البخاري لعلمه قصد أجزاء الصورة كلها، أي جملة الحفل الذي يضم الخمر والغناء والفسوق، فهذا غريب جدًّا، فإن البخاري لا يقال هنا قصد أو لم يقصد؛ لأنه إنما يروي الحديث بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالكلام كله هو للرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو صريح في أن الحِرَ (الزنا) والحرير والخمر والمعازف، كل منها محرم تحريمًا مستقلاً، وأن من الأمة من يستحل هذه المحرمات أو بعضها.
الوجه الثالث: أنه قد روى الحاكم والبيهقي والترمذي مختصرًا، وحسنه، عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لم أنه عن البكاء ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان. والحديث حسنه الألباني رحمه الله، كما في السلسلة الصحيحة برقم: ٢١٥٧.
وهذا الحديث كما ترى خرجه جماعة من الأئمة، ومع هذا يقول ابن حزم: لا ندري له طرقًا. ولهذا قال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله عن ابن حزم: وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه، وعلى أحوال الرواة.
الوجه الرابع: ما رواه البزار في مسنده والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة. قال المنذري في