للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجهده وأوقعها على أكمل الوجوه أن تقع شكرا له على بعض نعمه عليه، فلو طالبه بحقه لبقي عليه من الشكر على تلك النعمة بقية لم يقم بشكرها، فلذلك لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

وقال ابن القيم كذلك في (مفتاح دار السعادة): لو عذب أهل سماواته وأرضه لكان ذلك تعذيبا لحقه عليهم وكانوا إذ ذاك مستحقين للعذاب؛ لأن أعمالهم لا تفي بنجاتهم. اهـ.

وأما ابن رجب فنحا نحوا آخر في (جامع العلوم والحكم) حيث قال: في هذا الحديث نظر، ووهب بن خالد ليس بذلك المشهور بالعلم. وقد يحمل على أنه لو أراد تعذيبهم، لقدر لهم ما يعذبهم عليه، فيكون غير ظالم لهم حينئذ. اهـ.

وعلى هذا يتبين لنا بأن الظلم المنفي عن الله عز وجل والذي حرمه الله على نفسه هو وضع الشيء في غير موضعه، ومنع ذي الحق حقه، كأن ينقص أحداً من ثواب حسناته، أو يحمل أحداً أوزار غيره , وليثق المسلم أن كل مخلوق له حق عند الله عز وجل فسيأخذه لا محالة وهذا متفق عليه بين جميع المسلمين وإن اختلفت مذاهبهم في معرفة وبيان تفصيل هذه الحقوق , ولهذا صدق القائل حين قال:

ما للعباد عليه حق واجب * كلا ولا سعي لديه ضائع.

إن عذبوا فبعدله أو نعموا * فبفضله وهو الكريم الواسع.

ثم اعلم أخي المسلم بأنه ليس للناس على الله حق إلا ما أحقه الله على نفسه، وقد أحق الله على نفسه لعباده حقوقا كثيرة، منها: حق النصرة للمؤمنين، كما قال تعالى [وكان حقا علينا نصر المؤمنين] ومنها أن لا يعذب من لم يشرك به شيئا، فقد ثبت في ((الصحيحين)) من قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه، وهو رديفه: يا معاذ، أتدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم: حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقهم عليه أن لا يعذبهم. فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق، لا أن العبد نفسه مستحق على الله شيئا كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، ومنها أن من حفظ الله منهم حفظه ووجده تجاهه.

وهنا مسألة مهمة وهو أنه لا يجب العدل في الفضل إنما العدل يكون في الحقوق علماً بأن الله عز وجل لا يتفضل على أحد من خلقه إلا بسبب وموجب من العبد علمه من علمه وجهله من جهله والله أعلم بمن يصلح لفضله فعن عبد الله بن عمر

<<  <   >  >>