للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضا: القدر يجري في الأغلب بمكروه النفس، وليس مكروه النفس يقف على المرض والأذى في البدن، بل هو يتنوع، حتى يتحير العقل في حكمة جريان القدر، فمن ذلك ... تسليط الكفار على المسلمين، والفساق على أهل الدين. وأبلغ من هذا إيلام الحيوان وتعذيب الأطفال؛ ففي مثل هذه المواطن يتمحض الإيمان. اهـ.

ثانياً على السلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله عز وجل حرم الظلم على نفسه وأنه لا يظلم خلقه شيئاً ولو مثقال حبة من خردل , والظلم معناه وضع الشيء في غير موضعه، ومنع ذي الحق حقه، كأن ينقص أحداً من ثواب حسناته، أو يحمل أحداً أوزار غيره , وليثق المسلم أن كل مخلوق له حق عند الله عز وجل فسيأخذه لا محالة وهذا متفق عليه بين جميع المسلمين وإن اختلفت مذاهبهم في معرفة وبيان تفصيل هذه الحقوق , ولهذا صدق القائل حين قال:

ما للعباد عليه حق واجب * كلا ولا سعي لديه ضائع.

إن عذبوا فبعدله أو نعموا * فبفضله وهو الكريم الواسع.

وأما بالنسبة للمصائب المقدرة على الحيوانات، فالبهائم والوحوش وإن كانت لا تكليف عليها إلا أنه إذا كان يوم القيامة يُقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء، كما ثبت في السنة، فلا يمتنع أن يكون بعض ما يصيبها في الدنيا - بالإضافة إلى كونه عقوبة أو ابتلاء لأصحابها - عقوبة دنيوية لها هي كذلك أسوة بالعقوبة الأخروية!.

ثم إننا لو افترضنا عدم تعويض هذه الحيوانات التي وقع عليها الظلم في الآخرة فاعلم أن منطق العدل يقول بوجوب معاقبة الظالم ما لم يعفو صاحب الحق أما إثابة المظلوم فهي قدر زائد عن الواجب ومعاقبة الظالم ثابتة في الآخرة قال عليه الصلاة والسلام لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. متفق عليه.

وقال الكرمي في (رفع الشبهة والغرر) ناصا على مسألة ألم الحيوانات: تعليل أفعال الله كلها الجارية في المكلفين وغيرهم مما لا سبيل إلى معرفته والوقوف على سر حقيقته، وفي مثل هذا المقام تخبطت الأفهام، فقالت طائفة: إن البهائم والأطفال لا تتألم ولا تحس بالألم. وهذا جحد للضرورة ومكابرة في المحسوس. وقالت طائفة: إن ذلك لا يصدر إلا من فاعل الشر. وقالت طائفة من غلاة الرافضة بالتزام التناسخ وقالوا: إنما حسن ذلك لاستحقاقهم ذلك بجرائم سابقة اقترفوها في غير هذه القوالب فنقلت أرواحهم إلى هذه القوالب عقوبة لهم. وموجب هذا التخليط تعلق أمل هؤلاء بمعرفة حقيقة أسرار أفعال الله تعالى في المكلفين وغيرهم، وهذا مما لا سبيل إلى

<<  <   >  >>