يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ {١٥} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦] وقال: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى:٢٠] وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة, يُعطَى عليها فى الدنيا, ويُثاب عليها فى الآخرة, وأما الكافر فيُطعَم بحسناته فى الدنيا, حتى إذا أفضى إلى الآخرة, لم تكن له حسنة يُعطَى بها خيراً)) [صحيح الجامع:١٨٥٣]
ثم إن ما يترتب على الألم من بكاء الطفل ونحو ذلك له فيه مصالح دنيوية أيضاً، قال ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة: ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة، فإن الأطباء والطبائعين شهدوا منفعة ذلك وحكمته، وقالوا: في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمة، فالبكاء يسيل ذلك ويحدره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح. وأيضاً: فإن البكاء والعياط -أي: الصراخ- يوسع عليه مجاري النفس، ويفتح العروق، ويصلبها ويقوي الأعصاب.
وكم للطفل من منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه، فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك، فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة من الحكم ما قد خفي على أكثر الناس .. انتهى.
وقد يكون مرض الإنسان فى صغره, أو إعاقته الخِلْقية, مما يخفف عنه عقوبة ذنوبه عند كبره, بمعنى أنه إذا كبر وعمل ذنوباً تستوجب المؤاخذة عليها, فربما خفف الله عنه بهذه الأمراض والتشوهات التي أصابته في الصغر, لأن الله سبحانه وتعالى إذا أراد بعبده الخير عجَّل له العقوبة فى الدنيا, كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أراد الله بعبده الخير, عجَّل له العقوبة فى الدنيا, وإذا أراد بعبده الشر, أمسك عنه بذنبه, حتى يُوافَى به يوم القيامة)) [صحيح الجامع:٣٠٨] وربما منعته هذه الإعاقة عن بعض المعاصي, وكانت سبباً في تقربه لله سبحانه وتعالى, فكان ذلك خيراً له, وربما عوضه الله مَلَكات أخرى خيراً مما فقدها, وربما كانت حافزاً له على العلم والتفوق, وهذا الأمر مُشاهد فى كثير ممن أصيبوا بأمراض خِلْقية, فنبغوا في علوم شتى, فكم من شخص ولد أعمى وأكرمه الله بكثير من الميزات في الدنيا مع ما أعده له في الآخرة، فهذا قتادة بن دعامة السدوسي الشافعي إمام المفسرين والمحدثين ولد أعمى وأكرمه الله بوافر النعم، فقد ذكر العيني في شرح البخاري أنه أجمع على جلالته وحفظه وتوثيقه وإتقانه وفضله،