للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن عذاب أهل النار: الجحيم، والزقوم:

يقول - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ*كَغَلْيِ الْحَمِيمِ*خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ*ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ*ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (١).

قال السعدي رحمه الله: ((لَمَّا ذكر يوم القيامة، وأنه يفصِلُ بين عباده فيه، ذكر افتراقهم إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، وهم الآثمون بفعل الكفر والمعاصي، وأن طعامهم {شَجَرَةَ الزَّقُّومِ}، شرّ الأشجار، وأفظعها، وأن طعامها {كَالْمُهْلِ}، أي كالصديد المنتن، خبيث الريح والطعم، شديد الحرارة، يغلي في بطونهم. {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}: ويُقال للمعذَّب: {ذُقْ} هذا العذاب الأليم، والعقاب الوخيم، {إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} أي بزعمك أنك عزيزٌ ستمتنع من عذاب الله، وأنك الكريم على الله، لا يصيبك بعذاب، فاليوم تبيّن لك أنك أنت الذليل المهان الخسيس (٢) (٣).


(١) سورة الدخان، الآيات: ٤٣ - ٤٩.
(٢) تيسير الكريم الرحمن للعلامة السعدي، ص٧٧٤.
(٣) ولا شك أن عذاب النار أكثر الله من ذكره في كتابه، وبيّنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - إنذاراً للناس، وتحذيراً لهم، قال الله تعالى: {فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٤]. وقال تعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى*لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى*الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: ١٤ - ١٦]. والنبي - صلى الله عليه وسلم - أنذر وحذّر من النار، ومن ذلك قوله: ((أنا آخذ بحُجَزكم عن النار، هلمَّ عن النار هلمَّ عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها)) [مسلم، ٢٢٨٤].
- ومن تحذير الله - عز وجل - بيانه لأبوابها بقوله: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ*لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} [الحجر: ٤٣ - ٤٤].
- وبيَّن أن أهل النار يلعن بعضهم بعضاً، وكلما دخلت أمة لعنت أختها، وبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عمق النار في دركاتها سبعون عاماً يقول: ((هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)) [مسلم، برقم ٢٨٤٤].
- وبيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشدّ منه عذاباً. [مسلم، برقم ٢١٣].
- وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه: يُؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرّونها [مسلم، برقم ٢٨٤٢].
- وأهل النار {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج: ١٩، ٢٠]. {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: ٤٩، ٥٠].
- والله - عز وجل - جعل جسم الكافر في النار عظيماً؛ ليزداد عذابه، ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)) [البخاري، برقم ٦٥٥٢، ومسلم، برقم ٢٨٥٢]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغِلَظُ جلده مسيرة ثلاث))، [مسلم، برقم ٢٨٥١].
- وأهل النار يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وهذا هو الخسران المبين. نعوذ بالله من ذلك.
- ومن عذاب أهل النار قوله الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ الله كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: ٥٦]، وقوله سبحانه: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرَّسُولاْ} [الأحزاب: ٦٦].
- وقال الله - عز وجل -: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر: ٤٨].
- وفي الحديث: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم، يُسمَّى بولس، تعلوهم نارُ الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخَبَال)) [الترمذي، برقم ٢٦٢٣، وأحمد، ٢/ ١٨٩، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، ٢/ ٣٠٤].
- وفي حديث عبد الله بن قيس - رضي الله عنه - يرفعه: ((إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم)) يعني مكان الدمع، [الحاكم، ٤/ ٦٠٥، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة، ٤/ ٢٤٥، برقم ١٦٧٩].
وعذاب أهل النار أكثر الله من ذكره في كتابه، وأكثر رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنته كذلك. نسأل الله الفردوس، ونعوذ به من النار.

<<  <   >  >>