للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الأمر في المسير إليهم، ثم أعطاه لامرأة مشركة اسمها: سارة، وجعل حاطب لسارة جُعلاً على أن تبلغه قريشاً، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، وقال لها: أخفيه ما استطعتِ، ولا تمرّي على الطريق، فإنّ عليه حراساً (١).


(١) روى البخاري ومسلم وأبو داود، والترمذي قصة حاطب - رضي الله عنه -، فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال عٌبيد الله بن أبي رافع - وكان كاتباً لعلي - سمعت علياً - رضي الله عنه - يقول: ((بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنا والزبير والمقداد، فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ - هي بين مكة والمدينة، بقرب المدينة - فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها، فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتخرِجِنَّ الكتاب، أو لنلقينَّ الثياب، فأخرجته من عقاصها، قال: فأتينا به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا حاطب، ما هذا؟ فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إني كنت امرأ ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسهم [في نسخ البخاري ومسلم المطبوعة: من أنفسها] فكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون بها أموالهم وأهليهم بمكة، فأحببت - إذا فاتني ذلك من النسب فيهم - أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً، ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه قد صدقكم))، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم))، قال: فأنزل الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (الممتحنة: ١).
وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي [عن علي] قال: ((بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والزبير بن العوام وأبا مرثد - وكلنا فارس .. ثم ساقه بمعناه))، ولم يذكر نزول الآية، ولا ذكرها في حديث عبيد الله بعض الرواة، وجعلها بعضهم من تلاوة سفيان، وقال سفيان: لا أدري الآية في الحديث، أو من قول عمرو - يعني ابن دينار.
وفي رواية نحوه، وفيه: ((حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسير على بعير لها، فقلنا: أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي من كتاب فأنخنا بعيرها، فابتغينا في رحلها، فما وجدنا شيئاً، فقال صاحباي: ما نرى معها كتاباً، فقلتُ: لقد علمنا ما كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما كذبَ، والذي يُحلف به لتخرِجنّ الكتاب، أو لأجرِّدنَّك، فأهوت إلى حجزتها، وهي محتجزة بكساء، فأخرجت الصحيفة من عِقاصها، فأتينا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وذكر الحديث)).
أخرجه البخاري، ومسلم، وأخرج أبو داود، والترمذي الرواية الأولى، رواه البخاري، ٧/ ٤٠٠ في المغازي، باب فتح مكة، وباب فضل من شهد بدراً، وفي الجهاد، باب الجاسوس، وباب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن، وفي تفسير سورة الممتحنة في فاتحتها، وفي الاستئذان، باب من نظر في كتاب من يحذر من المسلمين ليستبين أمره، وفي استتابة المرتدين، باب ما جاء في المتأولين، ومسلم، برقم ٢٤٩٤ في فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر - رضي الله عنهم -، وقصة حاطب بن أبي بلتعة، وأبو داود، برقم ٢٦٥٠، و٢٦٥١ في الجهاد، باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلماً، والترمذي، برقم ٣٣٠٢ في تفسير القرآن، باب ومن سورة الممتحنة.
شرح الغريب:
* (الظعينة) في الأصل: المرأة ما دامت في الهودج، ثم جُعلت المرأة إذا سافرت ظعينة، ثم نقل إلى المرأة نفسها، سافرت أو أقامت، وظعن يظعن: إذا سافر.
* (عقاصها): العقاص: الخيط الذي تعقص - أي تشد - به المرأة أطراف ذوائبها، وأصل العقص: الضفر والليُّ، هكذا شرحه الحميدي في غريبه، وفيه نظر، فإن العقاص: جمع عقصة أو عقيصة، وهي الضفيرة من الشعر إذا لويت وجعلت مثل الرمانة، أو لم تلو، والمعنى: أخرجت الكتاب من ضفائرها المعقوصة.
* (مُلصقاً): الملصق: هو الرجل المقيم في الحي، وليس منهم بنسب.
* (ابتغينا): الابتغاء: الطلب.
* (حجزة) احتجز الرجل: شدّ إزاره على وسطه، والحجزة: موضع الشدّ. [جامع الأصول لابن الأثير ٨/ ٣٦١].
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ((كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، فأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فبعث عليّاً والزبير في أثر الكتاب، فأدركا المرأة على بعير، فاستخرجاه من قرونها، فأتيا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل إلى حاطب، فقال: يا حاطب، أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم
يا رسول الله، قال: فما حملك على ذلك؟ قال: يا رسول الله، أما والله إني لناصح لله ولرسوله، ولكني كنت غريباً في أهل مكة، وكان أهلي بين ظهرانيهم، وخشيت عليهم، فكتبت كتاباً لا يضر الله ورسوله شيئاً، وعسى أن يكون منفعة لأهلي، قال عمر: فاخترطت سيفي، ثم قلت:
يا رسول الله، أمكني من حاطب، فإنه قد كفر، فأضرب عنقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا ابن الخطاب، ما يدريك؟ لعل الله قد اطّلع على هذه العصابة من أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد)، ٩/ ٣٠٣، و٣٠٤، ونسبه لأبي يعلى في (الكبير)، والبزار، والطبراني في (الأوسط)، وقال الهيثمي: ورجالهم رجال الصحيح.
* (ظهرانيهم): فلان بين ظهراني القوم بفتح النون: أي بينهم وعندهم.

<<  <   >  >>