مسلمون) [آل عمران: ٨٤] .
ومن لم يؤمن بالرسل ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً) [النساء: ١٣٦] .
المطلب الثاني
الصلة بين الإيمان بالله والإيمان بالرسل والرسالات
الذين يزعمون أنَّهم مؤمنون بالله ولكنّهم يكفرون بالرسل والكتب هؤلاء لا يقدرون الله حقَّ قدره، (وما قدروا الله حقَّ قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشرٍ من شيءٍ) [الأنعام: ٩١] . فالذين يقدرون الله حقَّ قدره، ويعلمون صفاته التي اتصف بها من العلم والحكمة والرحمة لا بدَّ أن يوقنوا بأنَّه أرسل الرسل وأنزل الكتب، لأن هذا مقتضى صفاته، فهو لم يخلق الخلق عبثاً، (أيحسب الإنسان أن يترك سُدًى) [القيامة: ٣٦] .
ومن كفر بالرسل وهو يزعم أنَّه يؤمن بالله فهو عند الله كافر لا ينفعه إيمانه، قال تعالى: (إنَّ الَّذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتَّخذوا بين ذلك سبيلاً - أولئك هم الكافرون حقّاً) [النساء: ١٥٠-١٥١] .
فقد نصَّت الآية على كفر من زعم الإيمان بالله وكفر بالرسل (ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) ، يقول القرطبي في هذه الآية: " نصّ سبحانه على أنَّ التفريق بين الله ورسله كفر، وإنَّما كان كفراً لأنَّ الله فرض على الناس أن يعبدوه بما شرعه على ألسنة الرسل، فإذا جحدوا الرسل ردّوا عليهم شرائعهم، ولم يقبلوها منهم، فكانوا ممتنعين من التزام العبودية التي أُمروا بالتزامها، فكان كجحد الصانع سبحانه، وجحد الصانع كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية، وكذلك التفريق بين الله ورسله " (١) .
سس زيادة
المطلب الثالث
وجوب الإيمان بجميع الرسل
الكفر برسول واحد كفر بجميع الرسل، قال تعالى: (كذَّبت قوم نوحٍ المرسلين) [الشعراء: ١٠٥] ، وقال: (كذَّبت عاد المرسلين) [الشعراء: ١٢٣] ، وقال: (كذَّبت ثمود المرسلين) [الشعراء: ١٤١] ، وقال: (كذَّبت قوم لوطٍ المرسلين) [الشعراء: ١٦٠] ، ومن المعروف أنَّ كلَّ أمةٍ كذَّبت رسولها، إلا أن التكذيب برسول واحد يعدّ تكذيباً بالرسل كلِّهم، ذلك أنَّ الرسل حملة رسالة واحدة، ودعاة دين واحد، ومرسلهم واحد، فهم وحدة، يبشر المتقدم منهم بالمتأخر، ويصدق المتأخر المتقدم.
ومن هنا كان الإيمان ببعض الرسل والكفر ببعض كفراً بهم جميعاً، وقد وسم الله من هذا حاله بالكفر (إنَّ الَّذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتَّخذوا بين ذلك سبيلاً - أولئك هم الكافرون حقّاً) [النساء: ١٥٠-١٥١] ، وقد أمرنا الله بعدم التفريق بين الرسل والإيمان بهم جميعاً (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي النبيُّون من رَّبهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون) [البقرة: ١٣٦] ، ومن سار على هذا النهج فقد اهتدى (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) [البقرة: ١٣٧] ، والذي يخالفه فقد ضلَّ وغوى (وَّإن تولَّوا فإنَّما هم في شقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وهو السَّميع العليم) [البقرة: ١٣٧] .
وقد مدح الله رسول هذه الأمة والمؤمنين الذين تابعوه لإيمانهم بالرسل كلهم، ولعدم تفريقهم بينهم، قال تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من رَّبه والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحدٍ من رُّسله) [البقرة: ٢٨٥] .
ووعد الله الذين لم يفرقوا بين الرسل بالمثوبة والأجر الكريم (والَّذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحدٍ منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رَّحيماً) [النساء: ١٥٢] .
وقد ذم الله أهل الكتاب لإيمانهم ببعض الرسل وكفرهم ببعض (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وَرَاءهُ وهو الحقُّ مصدقاً لما معهم) [البقرة: ٩١] .
فاليهود لا يؤمنون بعيسى ولا بمحمد، والنصارى لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم.
عدد الأنبياء والطريق إلى معرفتهم
المطلب الأول
(١) تفسير القرطبي: (٦/٥) .