اقتضت حكمة الله - تعالى - في الأمم قبل هذه الأمّة أن يرسل في كلّ منها نذيراً، ولم يرسل رسولاً للبشرية كلّها إلاّ محمداً صلى الله عليه وسلم، واقتضى عدله ألاّ يعذب أحداً من الخلق إلاّ بعد أن تقوم عليه الحجة:(وما كنَّا معذبين حتَّى نبعث رسولاً)[الإسراء: ١٥] . من هنا كثر الأنبياء والرسل في تاريخ البشرية كثرة هائلة، قال تعالى:(وإن من أمَّةٍ إلاَّ خلا فيها نذيرٌ)[فاطر: ٢٤] .
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدّة الأنبياء والمرسلين، فعن أبي ذرّ قال: قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال:" ثلاثمائة وبضعة عشر جمّاً غفيراً " وقال مرة: " خمسة عشر "، وفي رواية أبي أمامة، قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله، كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، الرُّسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمّاً غفيراً " (١) .
من الأنبياء والرسل من لم يقصصهم الله علينا:
وهذا العدد الكبير للأنبياء والرسل يدلنا على أنَّ الذين نعرف أسماءهم من الرسل والأنبياء قليل، وأنَّ هناك أعداداً كثيرة لا نعرفها، وقد صرّح القرآن بذلك في أكثر من موضع، قال تعالى:(ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك)[النساء: ١٦٤] ، وقال:(ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم مَّن قصصنا عليك ومنهم من لَّم نقصص عليك)[غافر: ٧٨] .
فالذين أخبرنا الله بأسمائهم في كتابه أو أخبرنا بهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أنّ نكذّبَ بهم، ومع ذلك فنؤمن أنَّ لله رسلاً وأنبياء لا نعلمهم.
(١) عزاه التبريزي في مشكاة المصابيح: (٣/١٢٢) إلى أحمد في مسنده، وقد حكم الألباني عليه بالصحة، وقد أطال الشيخ الألباني الكلام في تخريجه من كتب السنة، وبيان أسانيده في كتب السنن وأقوال العلماء فيه في (سلسلة الصحيحة: ورقمها فيها (٢٦٦٨) وقال مجملاً القول فيه: " وجملة القول: إن عدد الرسل المذكورين في حديث الترجمة صحيح لذاته، وأن عدد الأنبياء المذكورين في أحد طرقه، وفي حديث أبي ذر من ثلاث طرق، فهو صحيح لغيره " وانظر الحديث في مسند أحمد برقم: (٢١٥٤٦، ٢١٥٥٢، ٢٢٢٨٨) طبعة مؤسسة الرسالة، فقد حكم الشيخ شعيب الأرنؤوط على طرقه وأسانيده بالضعف.