والخروج من التقليد, فذلك إنما كان بعد طلبهم العلم وطول المدة, وهم قبل ذلك وفي خلال ذلك معترفون باتباع أقواله, وبعد ذلك لم يستنكفوا من الانتساب إلى اسمه والمتابعة في المعارف لرسمه.
وفي كلام عَلاَّمَتِهِمْ الزمخشري: «وَتَدَ اللهُ الأرضَ بالأعلام المُنيفة, كما وطد الحنيفية بعلوم أبي حنيفة، الأئمة الجِلَّةِ الحنفية, أَزِمَّةِ المِلَّةِ الحَنِيفِيَّةِ, الجودُ والحلم حاتمي وأحنفي, والدين والعلم حنيفي وحنفي».
وقد عقد الحاكم أبو سعيد فصلاً في فضل أبي حنيفة, وعلمه ذكره في كتابه " سفينة العلوم ".
وقد أطبق أهل التاريخ على تعظيمه, وأفرد بعضهم سيرته - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في كتاب سماه " شقائق النعمان في مناقب النعمان ".
ولو كان الإمام أبو حنيفة جاهلاً ومن حلية العلم عاطلاً ما تطابقت جبال العلم من الحنفية على الاشتغال بمذاهبه, كالقاضي أبي يوسف, ومحمد بن الحسن الشيباني, والطّحاوي, وأبي الحسن الكرخي, وأمثالهم وأضعافهم.
فعلماء الطائفة الحنفية في الهند, والشام, ومصر, واليمن, والجزيرة, والحرمين, والعراقين منذ مائة وخمسين من الهجرة إلى هذا التاريخ يزيد على ستمائة سَنَةٍ, فهم ألوف لا ينحصرون, وعوالم لا يحصون من أهل العلم والفتوى, والورع والتقوى.