فكيف يجترىء هذا المعترض, ويجوز عليهم أنهم تطابقوا على الاستناد إلى عامي جاهل لا يعرف أن البَاءَ تَجُرُّ ما بعدها, ولا يدري ما يخرج من رأسه من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ما هذا إلا كلام عامي أو أعمى, يخبط من الجهل في ظلماء.
وأمّا ما قدح به على الإمام أبي حنيفة من عدم العلم باللغة العربية فلا شك أن هذا كلام متحامل, متنكب عن سبيل المحامل, فقد كان الإمام أبو حنيفة من أهل اللسان القويمة واللغة الفصيحة.
وذلك لأنه أدرك زمان العرب, واستقامة اللسان, فعاصر جريرًا والفرزدق, ورأى أنس بن مالك خادم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين, وقد توفي أنس بن مالك سَنَةَ ثلاث وتسعين من الهجرة , والظاهر أن أبا حنيفة ما رآه وهو في المهد, بل رآه بعد التمييز, يدل على ذلك أن أبا حنيفة كان من المعمرين, وتأخرت وفاته إلى سَنَةِ خمسين ومائة, وقد جاوز التسعين من العمر (١).
وهذا يقتضي أنه بلغ الحُلُمَ وأدرك بعد موت رسول الله - صَلََّى اللهُ
(١) هذا على قول من قال إن مولد أبي حنيفة سَنَةَ إحدى وستين، والصحيح أنه ولد سَنَةَ ثمانين، وهذا لا يؤثر على استدلال ابن الوزير، بل يبقى صحيحًا على الحالين كما لا يخفى.