للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَجَابَهُ البليغ الْقُدسِي: أَن هَذِه الْأُصُول الجبرية والتزهيدية الممتزجة بعقائد الْأمة، وَمَا هُوَ اشد مِنْهَا تعطيلا للأخذ بالأسباب ولنشأة الْحَيَاة، مَوْجُودَة فِي كَافَّة الديانَات لتعدل من جِهَة شَره الطبيعة البشرية فِي طلب الغايات وتدفعها إِلَى التَّوَسُّط فِي الْأُمُور، ولتكون من جِهَة أُخْرَى تَسْلِيَة للعاجزين وتنفيساً عَن المقهورين البائسين، وتوسلاً لحُصُول التَّسَاوِي بَين الْأَغْنِيَاء والفقراء فِي مظَاهر النَّعيم.

أَلا يرى إِجْمَاع كل الْأَدْيَان على اعْتِقَاد الْقدر خَيره وشره من الله تَعَالَى، أَو خَيره مِنْهُ وشره من النَّفس أَو من الشَّيْطَان؛ وَمَعَ ذَلِك لَيْسَ فِي الْبشر من ينْسب أمرا إِلَى الْقدر إِلَّا عِنْد الْجَهْل بِسَبَبِهِ سترا لجهله، أَو عِنْد الْعَجز عَن نيل الْخَيْر أَو دفع الشَّرّ سترا لعَجزه، وَحَيْثُ غلب أخيراً على الْمُسلمين جهل أَسبَاب المسببات الكونية وَالْعجز عَن كل عمل، إلتجأوا إِلَى الْقدر والزهد تمويها لَا تدينا.

وَهَذَا التبتل وَالْخُرُوج عَن المَال من اعظم القربات فِي النَّصْرَانِيَّة، فَهَل كَانَ قصد شَارِع الرهبانية أَن ينقرض النَّاس كَافَّة بعد جيل وَاحِد؟ أم كَانَ قَصده أَن يشرعها على أَن لَا يتلبس بهَا إِلَّا الْبَعْض النزر؟ كلا، لَا يعقل فِي هَذَا الْمقَام إِلَّا التَّعْمِيم، وينتج من ذَلِك أَنه

<<  <   >  >>