ثمَّ قَالَ: أما عِنْدِي فيخيل إِلَيّ أَن سَبَب الفتور هُوَ تحول نوع السياسة الإسلامية، حَيْثُ كَانَت نيابية اشتراكية أَي (ديمقراطية) تَمامًا، فَصَارَت بعد الرَّاشِدين بِسَبَب تمادي المحاربات الداخلية ملكية مُقَيّدَة بقواعد الشَّرْع الأساسية، ثمَّ صَارَت أشبه بالمطلقة. وَقد نَشأ هَذَا التَّحَوُّل من أَن قَوَاعِد الشَّرْع كَانَت فِي الأول غير مدونة وَلَا محررة، بِسَبَب اشْتِغَال الصَّحَابَة المؤسسين رَضِي الله عَنْهُم بالفتوحات، وتفرقهم فِي الْبِلَاد، فَظهر فِي أَمر ضَبطهَا خلافات ومباينات بَين الْعلمَاء، وتحكمت فِيهَا آراء الدخلاء، فرجحوا الْأَخْذ بِمَا يلائم بقايا نزعاتهم الوثنية فَاتخذ الْعمَّال السياسيون وَلَا سِيمَا المتطرفون مِنْهُم هَذَا التخالف فِي الْأَحْكَام وَسَائِل للانقسام والاستقلال السياسي، فَنَشَأَ عَن ذَلِك أَن تَفَرَّقت المملكة الإسلامية إِلَى طوائف متباينة مذهبا متعادية سياسة، متكافحة على الدَّوَام. وَهَكَذَا خرج الدّين من حضَانَة أَهله وَتَفَرَّقَتْ كلمة الْأمة، فطمع بهَا أعداؤها وَصَارَت معرضة للمحاربات الداخلية والخارجية مَعًا، لَا تصادف سوى فترات قَليلَة تترقى فِيهَا فِي الْعُلُوم والحضارة على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute