وقوتها؛ وَيخْتَلف النَّاس فِي تصور وتوصيف مَاهِيَّة هَذِه الْقُوَّة حسب مَرَاتِب الْإِدْرَاك فيهم، أَو حَسْبَمَا يصادفهم من التلقي عَن غَيرهم، وَذَلِكَ هُوَ (الضلال وَالْهِدَايَة) . على أَن الضلال غَالب لِأَن مَوَازِين الْعُقُول البشرية مهما كَانَت وَاسِعَة قَوِيَّة، لَا تسع وتتحمل وزن جبال الأزلية والأبدية، والامتثال، والأزمان، والإمكان، وَنَحْو ذَلِك، مِمَّا لصعوبته سمي الْعلم بِهِ علم مَا وَرَاء الْعقل؛ وَلِهَذَا لَا يُقَال فِي حق الضَّالّين أَنهم منحطون عقلا عَن المهتدين، بل كثير مِنْهُم، فِي الماضين والحاضرين، أسمى عقلا بمراتب كَبِيرَة من المهتدين، وَلَكِن صعوبة التَّصَوُّر وَالْحكم أوقعتهم فِي بحار من الأوهام وظلمات من الضلال، على أَن البارئ تَعَالَى قدر اللطف بِبَعْض عباده، وَأَرَادَ إِقَامَة الْحجَّة على الآخرين، فأوجد بعض أَفْرَاد من الْبشر يميزون فِي تصور توصيف مَاهِيَّة هَذِه الْقُوَّة تمييزاً كَبِيرا، فصاروا هداة للنَّاس وهم (الْأَنْبِيَاء) عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام.
ثمَّ بعض الْأَنْبِيَاء الْكِرَام قَامُوا فِيمَن حَولهمْ من النَّاس مقَام المشرعين؛ واثبتوا، ببراهين خرق الْعَادَات على يدهم عِنْد التحدي أَي عِنْد طلب ذَلِك مِنْهُم، أَن مخاطبيهم مكلفون من قبل الله تَعَالَى باتبَاعهمْ وهم (المُرْسَلُونَ) ، فَآمن بهم من آمن، أَي شهدُوا لَهُم