للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مبهما، ولم يفرق بين اختلاطها وانفرادها بالماء، فوجب تحريم استعماله كلما تيقن فيه جزءٌ من النجاسة، ويكون جهة الحذر من طريق النجاسة أولى من جهة الإباحة من طريق الماء المباح في الأصل بأنه متى اجتمع في شيء جهة الحذر والإباحة، فجهة الحذر أولى ألا ترى أن الجارية بين رجلين لو كان لأحدهما فيها مائة جزء وللآخر جزء واحد أن جهة الحذر فيها أولى من جهة الإباحة، وأنه غير

جائز لواحد منهما وطؤها، وأيضاً لا نعلم خلافاً بين الفقهاء في سائر المائعات إذا خالطه اليسير في النجاسة كاللبن والأدّهان (ق١٠/ ب) والخمر ونحوها أن حكم اليسير في ذلك كحكم الكثير، وأنه محذور عليه أكل ذلك وشربه والدلالة من هذا الأصل على ما ذكرنا من وجهين أحدهما: لزوم اجتناب النجاسات بالعموم الذي قدمنا في حالات المخالطة والانفراد، والآخر أن حكم الحذر وهو النجاسة كان أغلب من حكم الإباحة، وهو الذي خالطه من الأشياء الطاهرة ولا فرق في ذلك من أن يكون الذي خالطه من ذلك ماء أو غيره إذا كان عموم الرأي والسنن شاملة له، وإذا كان المعنى وجود النجاسة فيه، وحظر استعمالها، ويدل على صحة قولنا من جهة السنة قوله - عليه السلام -: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل فيه من الجنابة"، وفي لفظ آخر: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من جنابة" (١)، ومعلوم إذ البول القليل في الماء الكثير لا يغير طعمه ولا لونه ولا ريحه، وقد منع النبي - صلى الله عليه وسلم - منه. قال: ويدل عليه قوله -عليه السلام-

"إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها الإناء، فإنه لا يدري أين باتت يده" (٢)، فأمر بغسل اليد احتياطاً من نجاسة أصابته من موضع الاستنجاء (٣)، ومعلوم

أن مثلها إذا حلت [بـ] (٤) الماء لم تغيره. ولو أنها تفسده لما كان الأمر بالاحتياط معنا، وحكم النبي -


(١) سبق الكلام عليهما.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) وفي الحاشية: فائدة: قال الشرف المناوي على الجامع الصغير: قال النووي في بستانه عن محمد بن الفضل التيمي في شرحه لمسلم إن بعض المبتدعة لما سمع بهذا الحديث قال متهكما به أنا أدري أين باتت يدي، ياتت في الفراش، فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه. قال ابن طاهر فليتق امرؤ الاستخفاف بالسنن ومواضع التوقيف لئلا يسرع إليه شؤم فعله.
(٤) غير موجودة بالأصل والسياق يقتضيها.

<<  <   >  >>