للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قلت: من صححه اعتد (١) بعض طرقه ولم ينظر إلى ألفاظه ومفهومها؛ إذ ليس وظيفة المحدث، النظر في ذلك من وظيفة الفقيه؛ إذ عرضه بعد صحة الثبوت الفتوي والعمل بالمدلول، وقد أعل حديث

القلتين من الجهتين، وأنا أورد ذلك مستعيناً بالله فأقول: قال ابن عبد البر (٢) في كتاب "التمهيد": هذا حديث يرويه محمد ابن إسحاق والوليد بن كثير أنه قال فيه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه يرفعه، ومحمد بن إسحاق يقول فيه عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعاً أيضاً، فالوليد يجعله عن عبد الله بن عبد الله، ومحمد بن إسحاق يجعله عن عبيد الله بن عبدالله (٣)، ورواه عاصم بن المنذر فاختلف عليه أيضاً قال فيه حماد بن سلمة: إذا كان الماء قلتين أو ثلاثاً (٤) لم ينجسه شيء، وبعضهم يقول: إذا كان قلتين لم يحمل الخبث (٥)، وهذا لفظ محتمل للتأويل، ومثل هذا الاضطراب في الإسناد يوجب التوقف عن القول بهذا الحديث على أن القلتين غير


(١) كذا بالأصل، والصواب: "اعتمد" وهو الموافق للسياق، وكما في فتح القدير.
(٢) هو يوسف بن عمر بن عبد البر بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ شيخ علماء الأندلس وكبير محدثيها في وقته وأحفظ من كان فيها لسنة مأثورة، وألف كتبا مفيدة منها: التمهيد، الاستذكار، الاستيعاب، الكافي، جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله وغيرها (ولد في ٣٦٨هـ، وتوفي في ٤٦٣هـ) وله ترجمة في الديباج المذهب (١/ ٣٥٧) وتذكرة الحفاظ (٣/ ٣٠٦)، وشذرات الذهب (٣/ ٣١٤)، والبداية والنهاية (١٢/ ١٠٤)، وغيرها.
(٣) وهذا ليس من باب الاضطراب الذي يعل به الحديث , وقد صنف الحافظ العلائي جزءا في تصحيح حديث القلتين، وقد طبع بعناية الشيخ الحويني – حفظه الله -، وقد صنف أبو عبدالله محمد بن عبد الواحد المقدسي جزءًا رد فيه ما ذكره ابن عبدالبر وغيره." كما ذكر ابن تيمية في الفتاوي، وصنف أيضا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالهادي جزءا في ذلك أيضا كما ذكر ابن رجب.
(٤) وقد أحاب الحافظ العلائي عن ذلك بأن الرواة لم تتفق على حماد بن سلمة بقوله: "أو ثلاثا" بل اختلفوا عليه فيها، وأن الأكثر والأحفظ لم يذكروها، ورواية الأحفظ أولى بالصواب خصوصا مع موافقتها لرواية أبي أسامة عن الوليد بن كثير ورواية ابن إسحاق له دون هذه الزيادة.
(٥) وقد أجاب الحافظ ابن حجر بأن الصحيح رواية القلتين، لأن رواتها أكثر وأوثق، وأما باقي الألفاظ فضعيفة، ولا يُعارض الضعيف الصحيح.

<<  <   >  >>